التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون 18 وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون 19}

صفحة 3339 - الجزء 5

  الثالث: كانوا أمة واحدة في أنهم خلقوا لفطرة الإسلام، ثم اختلفوا في الأديان، حكاه الأصم، قال الأصم: ويحتمل أنهم كانوا على فطرة واحدة في الفقر والحاجة إلى صانع، وأنهم لم يحدثوا من جهة أنفسهم، ثم اختلفوا بعد الفطرة الصحيحة في الأديان.

  «وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ» يعني لولا وعد اللَّه بأنه يقضي بين عباده يوم القيامة، ولا يعجل العصاة بالعقوبة لقضى بينهم، فأدخل المؤمنين الجنة، والكافرين النار، في معنى قول الحسن وأبي مسلم، وقيل: لولا إخبار اللَّه تعالى بأنه يبقى التكليف على الكفار استصلاحًا واستدعاء إلى التوبة لعجل لهم الحساب والعقاب وما يستحقونه، عن أبي علي، وقيل: لولا كلمة سبقت من ربك بأن يجعل للدنيا مدةً، ولكل أمة أجلاً «لَقُضِيَ بَينَهُمْ» لأقام عليهم الساعة، ولعجل القضاء بينهم، عن أبي روق، وقيل: لولا وعد اللَّه لهذه الأمة أنه لا يعذبهم بالاستئصال «لقضي بينهم» لفرغ من هلاكهم، عن الكلبي، وقيل: لولا وعد اللَّه أنه لا يأخذ إلا بعد إقامة الحجة لقضي بينهم لأهلكوا عاجلاً، وقيل: لقضي بينهم بأن يضطرهم إلى العلم بالْمُحِقِّ والمبطل.

  · الأحكام: تدل الآية على قبح عبادة من لا ينفع ولا يضر.

  وتدل على بطلان ما يزعمه الكفار أن الأصنام شفعاء عند اللَّه.

  وجملة ذلك أن جمهور العقلاء يقرون بصانع، سوى جماعة قليلة من فلاسفة اليونانيين، وقد انقرضوا، وبقي منهم بقية قليلة تَسَتَّرُوا بالأديان، فأما من يقر بالصانع فهم على ضربين: مُوَحِّد يعتقد أن الصانع واحد، لا يستحق العبادة غيره، وهو الذي بعث اللَّه تعالى به الأنبياء. ومشرك، وهم على ضربين: منهم من جعل لله شريكًا