التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون 34 قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون 35 وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون 36}

صفحة 3366 - الجزء 5

  يعني كيف تصرفون عن الحق، والمراد كيف تنصرفون وإن لم يكن لكم صارف غيرهم، عن أبي مسلم. وقيل: أي شيء يصرفكم عن الحق؟.

  ثم استأنف الحجاج، فقال سبحانه: «قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِهُمْ» يعني الأوثان «مَنْ يَهْدِي» يرشد «إِلَى الْحَقّ»، يعني: ما يحق ويجب لله على عباده، وقيل: دين سلام، عن الأصم. فإذا لم يمكنهم أن يقولوا: إنَّ شركاءهم يهدون إلى الحق، وثبت بالدليل أن اللَّه يهدي، فقل يا محمد احتجاجًا عليهم: «قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ» أَمْرُهُ ونهيه «أَمَّنْ لا يَهِدِّي» أي: لا يهتدي بنفسه «إِلَّا أَنْ يُهْدَى» قيل: المراد به الملائكة والجن؛ لأنهم يهتدون إذا هداهم غيرهم، وقيل: «أحق» أي: الذي تليق به العبادة يجب أن يكون ممن يدعو إلى عبادته، وقيل: المراد به الرؤساء المضلون الَّذِينَ يدعون إلى الكفر فهم لا يَرْشُدُون إلا أن يُرْشَدُوا، والمراد بمن يهدي النبي ÷، عن الأصم. وقيل: هم الأصنام، ومعنى لا يمشي إلا أن يحمل، ولا ينتقل إلا أن يُنْقَلَ كقول الشاعر:

  حَيْثُ يَهْدِي سَاَقَةُ قَدَمُهْ

  أي: يحمل، وقيل: «لا يهتدون ما لم يُحْيِهم اللَّه ويهدِهم فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ» تعجيبا من حالهم أي: كيف تقضون لله بالشرك وعبادة حجر لا ينفع ولا يضر، ولا ترجعون إلى الدلائل الواضحة في إثبات التوحيد، فبدأ تعالى أولاً بذكر الخلق؛ لأنه أصل النعم، ثم بالنشأة الثانية؛ لأن فيها الجزاء، ثم بالهداية؛ لأنها الفرض وأصل النعم، وبه تنال الجنة؛ ليعلم أن جميع النعم منه تعالى، فهو الذي يحق له العبادة «وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ» قيل: كلهم، وقيل: بعضهم، وهم العوام الَّذِينَ لبَّس عليهم الرؤساء، عن أبي مسلم. وأما الرؤساء فهم معاندون «إِلَّا ظَنًّا» يعني يتبعون الظنون الكاذبة، في أن هذه الأوثان آلهة، وأنها تشفع لهم في الآخرة، وقيل: يتبعون