التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون 41 ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون 42 ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون 43 إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون 44}

صفحة 3373 - الجزء 5

  عملكم، عن أبي علي. «أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ» قيل: معنى الآية الزجر والتنبيه والاستمالة لقلوبهم ليأتوا بالجميل، وقيل: هو أمر للنبي ÷ ومن تبعه، يعني إن لم يصدقوك فابرأ منهم ومن أعمالهم، واعمل عملك الَّذِين هم بريئون منه، واعلم أنك مجازى بعملك، وهم مجازون بعملهم «وَمِنْهُمْ» من الكفار «مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيكَ» يعني إلى كلامك ودعائك، وإلى القرآن إذا تلوته عليهم استماعَ مَنْ لا يعي ولا يفهم، فهم في ذلك كالأصم في عدم الانتفاع، وقيل: طلبوا السمع للرد، لا للفهم، عن أبي علي. «أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ» استفهام والمراد النفي، أي: لا يمكنك أن تسمع الصم حقائق الأمور، وتقره في قلبه، كذلك هَؤُلَاءِ، إذا لم يستمعوا استماع تفكر لا يمكنك تقرير حقائق الأمور في قلوبهم «وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ» لا يعلمون الحق من الباطل «وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ» ويعرفون صدقك وأمانتك، ولكن للعداوة كذبوك، وقيل: ينظرون إلى إعلامك، ثم لا يتفكرون فيه، ولا يستدلون بها، فهم لعدم الانتفاع بما يبصرون كالعُمْيِ الَّذِينَ لا يبصرون شيئا «أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ» أي: لا تقدر على ذلك، وقيل: أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي: إنكار؛ لأنه يقع [الخبر] عليهم في ذلك، وقيل: فيه إشارة إلى وجوب النظر أي: لا ينفع سماعهم ونظرهم إذا لم يتدبروا فيعلموا، وإنما عليك إظهار الحجة، فأما التفهم فإليهم، فإذا لم يتدبروا كان الذنب عليهم، وفيه بشارة للنبي صلى اللَّه عليه وعلى آله «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا» يعني أنهم في ترك الإيمان، وعدم التَّفَهُّمِ أُتُوا من قِبَلِ أنفسهم، واللَّه لم يمنعهم منه، فإنه تعالى لا يظلم الناس بأن يأمرهم بشيء ثم يمنعهم عنه، ويعاقبهم عليه «وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» بالكفر والمعصية، وقيل: لا يظلم الناس بالعقوبة، ولكن ظلموا أنفسهم بأن فعلوا ما به استحقوا العقاب، وقيل: لا ينقص من حسناتهم، ولا يزيد في سيئاتهم، حكاه الأصم.

  · الأحكام: تدل الآية على وجوب البراءة من الكفار.

  وتدل على أن أحدًا لا يؤخذ إلا بذنبه، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في أطفال المشركين.

  وتدل على أن الأفعال حادثة من جهتهم ليست بخلق لله تعالى.