التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين 57 قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون 58}

صفحة 3384 - الجزء 5

  · اللغة: الوعظ: التخويف، والعظة اسم منه، قال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له قلبه، والموعظة: ما دعا إلى الخشوع والنسك، وصرف عن الفسوق والإثم.

  والرحمة: النعمة على المحتاج. والفضل: زيادة النعمة، وهو من فَضَلَ يَفْضُلُ: إذا زاد.

  · الإعراب: اللام في قوله: «فليفرحوا» لام الأمر، وإنما احتيج إليها ليؤمر الغائب بها، وقد يجوز أن يقع الخطاب للتصرف في الكلام، كما قرأ به الحسن وأبو جعفر.

  قال الأخفش: الغائب لا يؤمر إلا باللام، فأما القراءة بالتاء فليس بالقوي في العربية؛ لأنهم استغنوا بقوله: «افرحوا» عن «لتفرحوا»، ولام الأمر لا بد أن تكون مجزومة.

  · المعنى: لما تقدم ذكر القرآن، وما فيه من الوعد والوعيد عقبه بذكر أحوال القرآن، وجلالة محله في باب الأدلة، وتفخيم شأنه، وعظيم موقعه في الدين، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» خطاب لجميع الخلق وبينة لهم «قَدْ جَاءتْكُمْ مَوْعِظَةٌ» يعني القرآن ووصفه بأربع صفات: بالموعظة، والشفاء لما في الصدور، والهدى، والرحمة، ولكل واحد معنى، فهو موعظة، قيل: لأنه يدل على كل خير ويمنع من كل سوء ومعصية، وقيل: لأنه يذكر المعاد، ويخوف العقوبة، ويحذر سوء العواقب. وهو شفاء لأنه تعالى أنزله، وقلوبهم مختلفة في الأديان، وأهلها شيع، فهداهم إلى الحق، فكان بمنزلة الشفاء لذلك الداء، وداء الجهل أضر من داء البدن، وعلاجه أعسر، وأطباؤه أقل، والشفاء منه أجل، وقيل: هو شفاء لزوال الشك والشبهة والخواطر الفاسدة، ويوجب شرح الصدر، وقيل: شفاء لمن استشفى به فأضافه إلى الصدر؛ لأن الاعتقادات الفاسدة تكون في القلب، ومحله الصدر. وهو هدى ودلالة على التوحيد