التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون 59 وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون 60 وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين 61}

صفحة 3389 - الجزء 5

  يقبل منك، ومن يرد عليك «وَمَا تَتْلُو» تقرأ «مِنْهُ» قيل: «مِنْ قُرْآنٍ»، فذكر القرآن بالإضمار ثم الإظهار تفخيمًا لشأنه، كقوله: {إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} وقيل: من الشأن في القرآن، «وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ» قيل: خطاب للمكلفين، فتدل أن الأول خطاب لهم، وقيل: خاطبه أولاً، ثم خاطبه وأمته جميعًا «إِلَّا كُنَّا» نحن «عَلَيكُمْ شُهُودًا» قيل: حافظًا وشاهدًا عليكم حتى نشهد يوم القيامة، ثم نجازيكم به، وقيل: شاهدًا في حال عملهم، وعلى هذا الوجه لا يكون شاهدًا ما لم يوجد المشهود؛ لأن وجوده شرط في مشاهدته وإن كان عالمًا به من قبل، وفيه تحذير؛ لأن من تصور في نفسه أن اللَّه تعالى يشاهده لا يفيض في المعاصي «إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ» أي: تدخلون فيه، والهاء عائدة على العمل، وقيل: تعود على القرآن، عن الضحاك. يعني تقولون في القرآن من الكذب، وقيل: تفيضون: تقولون، عن ابن عباس. وقيل: تعملون، عن الحسن، وقيل: تخوضون، عن ابن زيد «وَمَا يَعْزُبُ» قيل: لا يغيب، عن ابن عباس. وقيل: لا يذهب، عن الأصم. «عَنْ رَبِّكَ» أي: عن علم ربك، فهو عالم بالسر والعلانية وبجميع المعلومات؛ لأنه عالم لذاته «مِنْ مِثْقَال ذَرَّةٍ» أي: وزن ذرة، وهي النملة الحميراء الصغيرة، تقول العرب: خذ هذا، فإنه أخفها مثقالاً، أي: وزنًا «فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ» من وزن ذرة «وَلا أَكْبَرَ» من ذلك «إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ» قيل: في اللوح المحفوظ، وقيل: في كتاب الحفظة، عن الأصم، وأبي مسلم. وفيه ترغيب وترهيب؛ لأنه لا يخفى عليه شيء ويجازيكم بجميع أعمالكم، فاعملوا ما يُرْضِي فهو شاهد عليكم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الأرزاق من جهته تعالى؛ لأنها أجسام وأعراض، لا يقدر عليها غيره.

  وتدل على أنه يكون حلالاً، وأن الحرام لا يكون رزقًا؛ إذ لوْ كان كذلك لم يكن لذمهم على أن جعلوه حرامًا معنى.