التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين 83 وقال موسى ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين 84 فقالوا على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين 85 ونجنا برحمتك من القوم الكافرين 86}

صفحة 3412 - الجزء 5

  أخذهم فرعون لتعلم السحر، وجعلهم من أصحابه، فآمنوا بموسى، عن أبي علي، وقيل: أراد موسى بني إسرائيل، عن ابن عباس، والأصم، وأبي مسلم، قال ابن عباس: كانوا ستمائة ألف، وكان يعقوب # رحل باثنين وسبعين إنسانًا، فتوالدوا حتى بلغوا ستمائة ألف، وإنما سماهم ذرية على وجه التصغير، قيل: لقلتهم، وقيل: لضعفهم «عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ» يعني: آمنوا، وهم خائفون من معرة فرعون «وَمَلَئِهِمْ» من رؤسائهم وأشرافهم، يعني أن خوفهم لم يكن من فرعون وحده، واختلفوا في مَلَئِهِمْ فقيل: ملأ الذرية، فالذرية من بني إسرائيل، والملأ منهم، إلا أنهم كانوا موافقين لفرعون، عن أبي مسلم، وقيل: ملأ فرعون؛ لأنه ملك يذكر بأتباعه، عن الفراء، وقيل: الضمير يعود إلى آل فرعون لأنه معلوم كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} «أَنْ يَفْتِنَهُمْ» قيل: يصرفهم عن الدين، فبين أن خوفهم كان لأجل الدين، وقيل: يعذبهم، عن الأصم، وقيل: كان جنود فرعون يعذبون بني إسرائيل فكان خوفهم منه ومنهم، وقيل: يقتلهم «وّإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ» متكبر عظيم. الشأن «وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ» المجاوزين للحد في العصيان؛ لأنه ادعى الربوبية، وهو عبد مخلوق مربوب، وقيل: أسرف في القتل والظلم «وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ» يعني من آمن به «إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ» قيل: صدقتم فيما جاءكم من عنده، وقيل: إن كنتم صدقتم أنه الإله دون فرعون والأوثان، عن الأصم «فَعَلَيهِ تَوَكَّلُوا» [ثِقُوا] بحسن تدبيره، وفوضوا الأمر إليه عند نزول البلاء، فهو الكافي لفرعون ولغيره «إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ» منقادين لأمره، وإنما أعاد ذكر الإسلام مع تقديم الإيمان لبيان اجتماع الصفتين: التصديق والانقياد، وقيل: معناه إن كنتم آمنتم به، فاستسلموا لأمره، «فَقَالُوا» عند ذلك رجوعًا إلى ما أمرهم به موسى # «عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» قيل: لا تجعلنا مفتونين بهم، يعني اعصمنا منهم، والمصدر يذكر ويراد به المفعول كالخلق والمخلوق، عن أبي مسلم، وقيل: لا تظهرهم علينا، فيروا أنهم خير منا، عن أبي علي، وأبي الصخر، يعني لا تُخْلِ بيننا وبينهم، فيظهروا علينا، فيظن غير