التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين 90 آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين 91 فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون 92}

صفحة 3422 - الجزء 5

  إِسْرائيلَ الْبَحْرَ»، وذلك أن اللَّه تعالى لما أجاب دعاء موسى. أمره بإخراج بني إسرائيل من مصر ليلاً، فخرج وتبعهم فرعون وجنوده مشرقين حتى انتهوا إلى البحر، وأمر اللَّه تعالى موسى، فضرب البحر بعصاه، فانفلق، فصار فيه اثنا عشر طريقًا يابسة، وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل، وصارت في الماء شبه الخروق، وكان ينظر بعضهم إلى بعض حتى جاوز موسى وهارون وبني إسرائيل، وانتهى فرعون إلى البحر، فرآه بتلك الهيئة ساكنا، فهاب دخوله، وكان على حصان أدهم، فتقدمه جبريل على رَمَكَة، وخاض البحر، وميكائيل يسوقهم، فاقتحم، واقتحمت الخيول حتى دخل آخرهم، ولم يخرج أوائلهم، فانطبق الماء عليهم وغرقوا، وقال بعضهم: لم يغرق هو، فقذفه البحر ميتًا حتى رآه بنو إسرائيل، ومعنى (جاوزنا): قطعنا البحر حتى جاوزوه، ولم يصبهم مكروه «فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ» أي: أدركهم ولحقهم، وقيل: سار خلفهم بجنوده «بَغْيًا» أي: طلبًا لهم ليضلهم «وَعَدْوًا» أي: اعتداء ومجاوزة للحد «حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ» وأَيِسَ من الحياة، وصار إلى حال الإلجاء «قَال آمَنْتُ» صدقت «أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ» المنقادين له الخاضعين له، وقيل: من الموحدين المخلصين «آلآنَ» فيه إضمار، أي: قيل له: آلآن آمنت حين لا يقبل الإيمان؛ لأنه حال الإلجاء، وكنت من قبلُ كافرًا مفسدًا، واختلفوا في قائل هذا والمخاطب به على أقوال: قيل: قاله ملك بأمر اللَّه تعالى، عن أبي علي، وأبي مسلم، وقيل: جبريل، وقيل: قالة اللَّه؟ توبيخًا له، ويكون معجزة لموسى، وقيل: يحتمل أن يكون قاله موسى #، عن أبي مسلم «وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» في الأرض بالكفر والقتل والظلم في وقت المهلة. «فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ» قيل: نبعدك من جميع ملكك، ونخلصك، عن أبي مسلم، وقيل: نلقيك على نجوة من الأرض أي: مكان مرتفع يراك كُلُّ مَنْ مر بك، وقيل: من قرأ بالتخيف فمعناه نلقيك بنجوة من الأرض، ومن قرأ بالتشديد فمن النجاة، عن الأخفش «بِبَدَنِكَ»، قيل: جيفة لا روح فيها ولا حياة لتكون عبرة لمن يراك، ويعلم كونك عبدًا ذليلاً لا يستطيع دفع مكروه،