التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل ياأيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين 104 وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين 105 ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين 106 وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم 107}

صفحة 3442 - الجزء 5

  وقيل: لأن معناه إن كنتم في شك فلا أشك أنا.

  والباء في قوله: «بخير» وقيل: معناه: وإن يرد لك خيرًا، فجرى مجرى التقديم والتأخير، وسواء قولك: يردك بخير، أو: يردك خيرًا، فأما الإرادة فتتعلق بالخير؛ لأنها تتعلق بحادث.

  والواو في قوله: «وإن يمسسك» قيل: واو استئناف، وليست بواو عطف تقديره: وإن يمسسك بضر من جهته لا يكشفه غيره.

  · المعنى: ثم أمره تعالى بالبراءة من كل معبود، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» خطاب للكفار؛ لأن المؤمن لا يشك في نبوته ودينه، فهو عام والمراد به الخصوص، ويحتمل العموم ويكون المراد التقدير «إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي» أَحَقٌّ هو أم لا.

  ومتى قيل: كيف ذَكَرَ الشك، وهم لا يشكون في بطلان دينه؟

  قلنا: فيه ثلاثة أوجه:

  الأول: أنه على التقدير أي: من كان شاكًّا في أمره فهذا حكمه.

  الثاني: أنهم في حكم الشاك لاضطراب أنفسهم عند ورود الآيات.

  الثالث: أن فيهم الشاك، فجرى على التغليب.

  ومتى قيل: فالكفار يعلمون هذا مِنْ دِينِهِ، فما فائدة هذا القول؟

  قلنا: زيادة في البيان، وزجرًا عن الشك والجهل، وقيل: كان فيهم من ينسبه إلى الشك، فَرَدَّ عليهم ذلك.

  «فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي: مِنْ ديني الذي أدعوكم إليه، وهو الإسلام ألّا أعبد [شيئا سوى] اللَّه مما تعبدون من الأوثان التي لا تنفع ولا تضر، وقيل: أُوَحِّدُ اللَّه، وأتبرأ من الأوثان «وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ» قيل: يقدر أن يميتكم، ويقبض أرواحكم، وقيل: أحياكم لأنه الذي تحق له العبادة، وهو لقدرته على