قوله تعالى: {قل ياأيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين 104 وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين 105 ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين 106 وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم 107}
  أصول النعم وإلهيته «وَأُمِرْتُ» أي: أمرني ربي «أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» من المصدقين بالتوحيد وإخلاص العبادة له، وقيل: (مِنْ) بمعنى (مع) أي: أمرت بالكون مع المؤمنين لا معكم «وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ» أي: أمرت أن تقيم وجهك، قيل: أراد بالوجه نفسه، وقيل: معناه استقم في الدين بإقبالك على ما أُمِرْت به بوجهك، وقيل: أقم عملك، عن ابن عباس. وقيل: أراد أقم وجهك للصلاة بالتوجه نحو الكعبة، والأول أوجه «حَنِيفًا» مستقيمًا في الدين «وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكينَ» أي: لا تشرك، فتكون من جملتهم، وقيل: لا تكن معهم «وَلا تَدْعُ» أي: أمرت، وقيل: كي لا تدعو «مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي: لا تدعه إلهًا كفعل المشركين يدعون الأوثان آلهة، وقيل: لا تدعه دعاء الإله، وقيل: لا تعبده أي: لا تعبد سوى اللَّه مما لا ينفعك إن أطعته ولا يضرك إن عصيته وتركته.
  ومتى قيل: كيف يصح هذا، ومن ينفع ويضر لا يجوز أن يعبد أيضًا؟
  قلنا: فيه وجهان:
  الأول: لا ينفعك ولا يضرك نَفْعَ الإله وضُرِّهِ، كالصحة والسقم، والموت والحياة ونحوها.
  والثاني: لأنه أخسر للصفقة، وأبعد من الشبهة: عبادة جماد لا ينفع ولا يضر.
  «فَإِنْ فَعَلْتَ» أي: عبدت غير اللَّه أيها السامع، وقيل: المراد غير النبي ÷، وإن كان الخطاب له «فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ» لنفسك حيث توبقها «وِإنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ» كأنه لَمَّا بَيَّنَ أن غيره لا ينفع ولا يضر عَقَّبَهُ ببيان أنه القادر على النفع والضر، وإذا فعل فلا دافع ولا مانع، فقال سبحانه: «وَإنْ يَمْسَسْكَ» أي: يصبك من جهته «بِضُرٍّ» بلاء وشدة ومرض، «فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ» أي: لا يقدر أحد على كشفه غيره، «وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ» صحة جسم ونعمة وخصب ونحوها «فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ» لا يقدر على منعه أحد.
  ومتى قيل: لما فصل بين الخير والضر وجميعه عندكم خير؟
  قلنا: فيه وجهان: