قوله تعالى: {قل ياأيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل 108 واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين 109}
  · اللغة: الصبر: أصله حبس النفس على المكروه، قال أبو العباس: الصبر ثلاثة أشياء: الحبس، والإكراه، والجرأة، ومنه يقال: أَصْبَرَهُ [الحَاكِمُ] عَلَى اليَمِينِ أي: أكرهه على يمين، {فَمَاَ أَصْبرَهُمْ} أي: أجرأهم، وقيل: [مات] صَبْرًا هو أن يُحْبَسَ ثم يقتل.
  · المعنى: ثم ختم تعالى السورة بعد ذكر الوعد والوعيد بالوعظ الجميل تسلية له، ووعدًا للمؤمنين، ووعيدًا للكافرين، فقال تعالى: «قل» يا محمد: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» خطاب عام للمكلفين «قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبّكُمْ» يعني القرآن ودين الإسلام وشرائعه، والأدلة الدالة على صحتها، عن أبي مسلم. وقيل: جاءكم النبي والمعجزات الظاهرة، وقيل: جاءكم الحق الذي يجب له عليكم، وهو ما تَعَبَّدَ به خلقه، عن الأصم. «فَمَنِ اهْتَدَى» قَبِلَ الحق وسلك طريقة الهدى «فَإنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ»؛ لأن نفع ذلك يعود إليه، وهو الثواب المستحق عليه «وَمَنْ ضَلَّ» عن طريق الحق «فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا»؛ لأنه يجني على نفسه، ومضرته تعود عليه بالعقاب الدائم «وَمَا أَنَا عَلَيكُمْ بِوَكِيلٍ» أي: لست بحفيظ لكم عن الهلاك والعذاب، ولا دافع عنكم بعد البلاغ والبيان وإزاحة العلة، وإنما الأمر إليكم بعد ذلك، عن أبي علي. وقيل: لست بوكيل في منعكم عن اعتقاد الباطل، وقيل: لست بكفيل لكم يعني لا أؤاخَذ بذنبكم «وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ» من القرآن والدين، واتّبَاعُهُ: أداؤه إلى أمته والعمل به، «وَاصْبِرْ» على مشقة ذلك، وقيل: اصبر على أذى أعدائك وتكذيبهم «حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ» يفصل بينك وبينهم في الدنيا بنصرك وقهرهم، وظهور دينك، وبطلان دينهم، وفي الآخرة بإثابتك ومَنْ تبعك، وعقوبة من عصاك، والأخذ من الظالم للمظلوم، وقيل: حتى يحكم اللَّه بالهجرة والقتال، وقيل: يحكم من إظهار دينه وعلو أمره «وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ» أي: أنه لا يحكم إلا بالعدل.