التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير 1 ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير 2 وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير 3 إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير 4}

صفحة 3451 - الجزء 5

  أفعاله وتدابيره، (خبير) عالم بأحوال خلقه ومصالحهم، عن الأصم، وأبي علي، وأبي مسلم.

  ثم بَيَّنَ تعالى ما في الكتاب وفصله، فقال سبحانه: «أَلَّا تَعْبُدُوا» قيل: معناه أنزل الكتاب لئلا تعبدوا غير اللَّه «إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ» أي: قل يا محمد، إنني لكم منه نذير لمن عصاه وعَبَدَ غيره بالنار، «وَبَشِيرٌ» مبشر لمن أطاعه بالجنة «وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيهِ» قيل: (ثُمَّ) بمعنى الواو، عن الفراء، أي: استغفروا وتوبوا، وقيل: (ثُمَّ) للتعقيب؛ أي: اطلبوا المغفرة بأن تجعلوها غرضكم، ثم توصلوا إليها بالتوبة.

  ومتى قيل: لم جمع بين الاستغفار والتوبة؟

  قلنا: قيل: اطلبوا المغفرة، واطلبوها بالتوبة، فالتوبة سبب طلب المغفرة المقصودة، وقيل: استغفروا ربكم من الذنوب السالفة، ثم توبوا إليه من الذنوب المستأنفة متى وجدت منكم المعصية، عن أبي علي.

  وقيل: استغفروا من سالف ذنوبكم، ثم توبوا بألا تعودوا إليها، وتعبدوا اللَّه وحده، وأطيعوا أمره، عن أبي مسلم.

  وقيل: استغفروا مما سلف، وارجعوا بالطاعة فيما يستأنف.

  «يُمَتِّعْكُمْ» يعني: إذا فعلتم ذلك يمتعكم في الدنيا «مَتَاعًا حَسَنًا» أي: يعيشكم عيشًا في خفض ودعة، وأمن وسعة، ويبسط لكم في العمر والنعم، ولا يهلككم «إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى» إلى وقت مسمى، وهو وقت موته الذي كتب اللَّه له «وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ» قيل: ذي فضل في الدين والطاعة، وهو المطيع لله العابد له دون غيره، وسماه ذا فضل لعظم منزلته، وقيل: ذي فضل: المفضل على عباده، وقيل: ذي فضل: ذي عمل صالح، فَضْلُهُ: أَجْرُهُ وثوابه على قدر عمله، سمي الجزاء على