قوله تعالى: {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير 1 ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير 2 وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير 3 إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير 4}
  الشيء باسم ذلك الشيء، والهاء في «فضله» قيل: يعود إلى ذي الفضل؛ لأن منازلهم في الطاعة تختلف فلا يُسَوَّى بينهم، بل يُعْطَى كلُّ أحد بقدر عمله، وقيل: يعود على اسم اللَّه تعالى، أي: يعطي كل ذي فضل من فضل اللَّه، ومعنى يؤتي: يعطي «وَإِنْ تَوَلَّوْا» أعرضوا عما أمروا به، وقيل: المراد فإن تتولوا فحذف التضعيف «فَإنِّي أَخَافُ» أي: فقل: إني أخاف «عَلَيكُمْ عَذَابَ يَوْمِ كَبِيرٍ» وهو يوم القيامة؛ لأنه يومَ كبير شأنه، وقيل: لأن فيه ثوابًا دائمًا وعقابًا دائمًا، وقيل: لأنه يحشر فيه الخلائق «إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ» يعني في ذلك اليوم مصيركم إلى حكمه؛ لأن حكم غيره يزول، وقيل: مرجعكم أي: مصيركم إليه، بأن يعيدكم للجزاء، وقيل: يعيدكم إلى مثل حالكم في الابتداء، فلا يملك أحد لكم سواه نفعًا ولا ضرًا «وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» من الإعادة والبعث والجزاء، فاحذروا مخالفته.
  · الأحكام: تدل الآيات على حدث القرآن من جهات:
  أحدها: قوله: «أحكمت»، ولا يصح ذلك إلا في الفعل.
  وثانيها: قوله: «فصلت»، والتفصيل يصح في الأفعال.
  وثالثها: «من لدن حكيم»، وهذه الإضافة لا تصح إلا والكلام محدث لاستحالة أن يكون القديم صادرًا عن جهة غيره.
  وتدل على أن القرآن كلامه، وأنه لا خلل فيه من زيادة ونقصان، وتغيير أو مناقضة؛ لذلك وصفه بالإحكام.
  وتدل على أن رأس الإيمان هو التوحيد، وعبادة اللَّه وحده، لذلك افتتح السورة به.
  وتدل على أن المطيع مُبَشَّرٌ بالجنة، والعاصي بالنار، جزاء على أعمالهم.
  وتدل على إثبات المعاد، والقديم سبحانه يختص بالقدرة على الإعادة، فلا يقدر عليها غيره.