التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور 5 وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين 6}

صفحة 3453 - الجزء 5

  وتدل على أن الجزاء على الأعمال لذلك قال: «وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ ...» الآية، فأوجب الجزاء على العمل، خلاف ما يقوله أهل الجبر.

  وتدل على أن الاستغفار والطاعة والتوبة والتولي فِعْلُ العبد، فيبطل قولهم في المخلوق.

قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ٥ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ٦}

  · القراءة: قراءة العامة: «يَثْنُونَ»، وعن ابن عباس: (يَثْنَوْنَى) على وزن: يَحْلَوْلَى.

  «صُدُورُهُم» بالرفع، بجعل الفعل للصدور، أي: تكتوي.

  · اللغة: الثني: عطف الشيء بعضه على بعض، يقال: ثنيت الثوب وغيره، عطف بعضه على بعض حتى يخفى داخله، ومنه: الاثنان لعطف أحدهما على الآخر في المعنى، ومنه: فاتحة الكتاب سميت مثاني؛ لأنها تثنى في كل ركعة، ومنه: الثناء لعطف المناقب في المدح، ومنه: الاستثناء؛ لأنه عطف عليه بالإخراج منه، فأما قراءة ابن عباس (يَثْنَوْنَى) على وزن (يَفْعَوْعَل) فمعناه المبالغة في الشيء كقولك: اِجْلَوْلَى الغيب.

  والدابة في الأصل: الذي من شأنه الدبيب، ودب يَدِبُّ دبيبًا، وفي العرف صار مختصًّا بنوع، وقد ورد القرآن بها على الأصل بقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ}، {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ}.

  والمستقر: «مستفعل» من القرار، وهو الموضع الذي يقر فيه الشيء، وهو قراره ومكانه.