التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور 5 وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين 6}

صفحة 3455 - الجزء 5

  عباس، ومعناه: يجعلون العداوة في ثني قلوبهم، فكنى بالصدر عن القلب، والقلب معدن العداوة، وقيل: يثنون صدورهم شكًّا وامتراءً في الحق، عن مجاهد، وقيل: يخفون صدورهم كيلا يسمعوا كلام اللَّه، عن قتادة، وقيل: يعرضون بقلوبهم عنك، عن السدي. «لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ» ليخفوا ما فيه من الكفر، قيل: من اللَّه جهلاً منهم، عن الحسن، ومجاهد، وأبي علي، والأصم؛ لأنهم لم يعلموا أنه عالم لذاته لا يخفى عليه شيء، وقيل: ليخفوا من النبي ÷، عن عبدْ اللَّه بن شداد. «أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ» يعني ألا إنه تعالى في وقت تغطيتهم رؤوسهم بثيابهم وإخفائهم بكل ما قدروا، وتناجيهم بأسرارهم وذلك أخفى ما يكون يعلم إسرارهم، عن الأصم، وأبي علي. وقيل: يستغشون ثيابهم كناية عن الليل، يعني حين يأوون إلى فراشهم، والمراد أنه تعالى يعلم السر في ظلم الليل تحت الثياب، فكيف تخفى عليه أسرارهم، وإذا اجتمع مع الستر ظلمة الليل كان أخفى، عن أبي مسلم. «يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ» يخفون «وَمَا يُعْلِنُونَ» يظهرون «إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» يعني بالأسرار التي في القلوب، عن الأصم، وأبي علي، وأبي مسلم. «وَمَا مِنْ دَابَّةٍ» أي: ليس دابة صغرت أو كبرت، ومن كل حيوان يدب على الأرض، وقيل: كل ما أكل فهو دابة «إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا» يعني قوتها، وهو المتكفل لذلك، و (على) تنبيه على الوجوب، وقيل: بمعنى (مِن) أي: من اللَّه رزقها؛ لأنه تعالى خالق الأرزاق «وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا» فيه أقوال:

  أولها: مستقرها حيث تأوي إليه على وجه الأرض، ومستودعها حيث تموت وتبعث منه، عن ابن عباس، والربيع.

  وقيل: مستقرها في الرحم ومستودعها في الصلب، عن مجاهد.

  وقيل: مستقرها في أصلاب آبائهم، ومستودعها في أرحام أمهاتهم.

  وقيل: مستقرها الرحم، ومستودعها مكان موتها، عن عبد اللَّه.

  وقيل: مستقرها حيث تستقر فيه في حياته، والمستودع الرحم، عن أبي مسلم، قال: ويجوز أن يراد بالمستودع: ما أودعته وهو الباطن من أمرها.