قوله تعالى: {ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور 9 ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور 10 إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير 11}
  وقيل: هو الفرح الخالص، فإن المؤمن لا يخلص فرحه لجهله بالعواقب، وما يؤول إليه أمره «فَخُورٌ» كثير الفخر أشرٌ بطرٌ، يفخر على غيره بدنياه «إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا» في أمر اللَّه ونهيه وطاعته، فإن نالتهم نعمة شكروا، وإن أصابهم بلاء صبروا «أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» لذنوبهم «وَأَجْرٌ كَبِيرٌ» عظيم، وهو الجنة.
  · الأحكام: تدل الآية على ذم من حاله الكفران عند النعمة، واليأس عند الشدة، وهذا نهاية في الذم؛ لأنه يجمع مع كفر النعمة اليأس من الرحمة، فتدل على قبح اليأس من رحمة اللَّه تعالى، وقد يبلغ حد الكفر؛ لأن العارف بربه لا ييأس من رحمته، وإنما ييأس الجاهل؛ لأنه تعالى المتكفل برزقه في الدنيا ولقبول توبته وطاعته في الأخرى، ولا يكلف إلا وله طريق إلى نجاته، فلا معنى لليأس.
  وتدل على قبح الفرح والفخر، وهذا ينقسم، فالفرح المذموم، والفخر المذموم هو أن يكون في باب الدنيا، وهو البطر عند المحبوب، والجزع عند المكروه، كما قال الشاعر:
  فَلاَ فَرِخٌ بخيرٍ إِنْ أَتَاهُ ... وَلاَ جَزِعٌ مِنَ الحِدْثَان لاع
  فمن يفرح بالدنيا ويستطيل بها على الناس فذلك المذموم، فأما إذا فرح بِدِينِهِ وطاعته، وما يخلصه من أنواع البر، ويفخر به على الفساق فغير مذموم، ولهذا يحسن للمسلم أن يفخر بالنبي والكتاب والدين على الكفار.
  وتدل على أن المراد بالخير والضر ما يكون من جهته تعالى دون ما يقع من الظلم، ولأنه غير مضاف إليه.
  وتدل على أن هذه الطريقة المذمومة لا يسلكها كل أحد، بل يسلكها الكفار.
  وتدل على أن المغفرة تنال بالطاعة والصبر عن الكبائر خلاف قول المرجئة.