قوله تعالى: {فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل 12 أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين 13 فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون 14}
  كقوله: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ} فهو بأمره وبنهيه ولطفه لا يقصر.
  وثانيها: أنه يجوز أن ينهى عما يعلم أنه لا يقع تأكيدًا، كقوله: {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}.
  وقيل: إنه لعظيم ما يرد عليك من تخليطهم يتوهم أنهم يزيلونك عن بعض ما أنت عليه.
  «وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ» أي: قلبك بتكذيبهم إياك، وقيل: باقتراحاتهم «أَنْ يَقُولُوا» قيل: لأجل أن يقولوا، وقيل: كراهة أن يقولوا «لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيهِ كَنْزٌ» يعني هلا أعطي كنزًا من المال «أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ» يشهد له «إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ» أي: منذر ومخوف، وليس إليك المعجزات؛ لأنها فعله تعالى، يعلم ما فيه مصلحة.
  ومتى قيل: لِمَ لَمْ يعطوا ما سألوا؟
  قلنا: لما علم فيه من المفسدة، وقيل: لأنهم طلبوها للرد، لا للاسترشاد.
  «وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ» أي: حفيظ له، قائم عليه، عالم به «أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ» يعني: إما أن يقولوا: لولا أنزل عليه كنز، أو يقولوا افتراه، وقيل: هو حكاية مستأنفة عن قوم آخرين، وقيل: (أم) بمعنى بل يقولون «افتراه» اختلقه من عنده كذبًا «قُلْ» يا محمد لهم «فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ»، وهذا تَحَدٍّ وليس بأَمْرٍ، يعني: هم يتكلمون بلغتك، وهذا الكتاب بلغتهم، فإن كان هذا كلامك فقل لهم يقولوا عشر سور «مِثْلِهِ» في الفصاحة والنظم والمعنى، «وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» أنه كلام محمد، أي: ادعوا كل من استطعتم إلى المعاونة على المعارضة، وهذا أتم في التحدي «مَنِ اسْتَطَعْتُمْ» قيل: شركاءكم، وقيل: من خالف محمدًا من جميع الأمم.
  ومتى قيل: لم ذكر في التحدي مرة عشر سور، ومرة سورة، ومرة حديثًا؟
  قلنا: التحدي إنما يقع بما يظهر فيه الإعجاز، وإنما يظهر بمنظوم من الكلام، فمرة يتحدى بالأقل، ومرة بالأكثر.