قوله تعالى: {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون 17 ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين 18 الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون 19 أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون 20 أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون 21 لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون 22}
  كل محق معتقد التوحيد والعدل، والبينة هي الحجج الدالة على ذلك، «وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ» مُؤَكِّد، وهو القرآن يشهد على ذلك، و «مِنْهُ» كناية عن اللَّه تعالى؛ لأنه أنزله، وكذلك التوراة تشهد على ذلك، «وَمِنْ قَبْلِهِ» من قبل القرآن؛ لأنه مدلول عليه فيما تقدم، وقيل: من قبل محمد ÷ «كِتَابُ مُوسَى» يعني التوراة «إِمَامًا وَرَحْمَةً» قيل: إمامًا يؤتم به في أمور الدين، «ورحمة» أي: نعمة من اللَّه على عباده، ثم نسخ بعد ذلك، وقيل: هي شاهد اللَّه لمحمد بما فيه من البشارة به وإن كان منسوخ الأحكام فإن فيها أنه نبي حق «أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ» قيل: أصحاب موسى يؤمنون بالتوراة وما فيها، وقيل: يؤمنون بالقرآن «وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ» قيل: بمحمد ÷، وقيل: بالقرآن، وقيل: بكتاب موسى بما فيه من الإقرار بمحمد «مِنَ الأحزَابِ» أي: من فِرَقِ الكفار كاليهود والنصارى، ومشركي العرب، «فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ» ليعذب فيه «فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ» في شك «مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ» قيل: إن القرآن حق من عند اللَّه، عن أبي علي، وقيل: في أمر محمد إنه الحق، وقيل: فلا تك في مرية أن مَنْ كَفَرَ فالنار موعده، وقيل: لا تك في مرية فيما أخبرتك به عن الأحزاب، واختلفوا لمن الخطاب في قوله: «فَلَا تَكُ» قيل: الخطاب للنبي، والمراد غيره، وقيل: الخطاب لغيره على تقدير: لا تك في مرية أيها الإنسان، أو أيها السامع منه «مِنْ رَبِّكَ» يعني: من أمره أو إنزاله «وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ» لا يصدقون بذلك، قيل: منهم شاكٌّ، ومنهم معاند، ومنهم جاهل لا ينظر، عن الأصم. «وَمَنْ أَظْلَمُ» هو استفهام والمراد التقرير، أي: لا أحد أظلم، عن الحسن وغيره، وظلم النفس أن يحرمها الثواب الأبد، ويهلكها بعذاب الأبد «مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا» أي: اختلق على اللَّه الكذب، قيل: أراد أن أعظم الظلم ظلم من ادعى أن القرآن ليس بكلام اللَّه، وادعى فيما ليس بكلامه أنه كلامه، أو قال لنبيه: إنه ساحر، أو قال للمعجز: إنه سحر، أو شبهه بخلقه، أو أضاف إليه فعلاً قبيحًا، أو كذب بآياته «أُولَئِكَ» يعني هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تقدم وصفهم «يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ» قيل: