التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون 17 ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين 18 الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كافرون 19 أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون 20 أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون 21 لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون 22}

صفحة 3476 - الجزء 5

  يوقفون موقفًا يراه الخلائق للمطالبة بما عمل، فهو كالعرض على اللَّه تعالى، وقيل: العرض على الملائكة الموكلين بالحساب، وقيل: على أولياء اللَّه «وَيَقُولُ الأَشْهَادُ» قيل: هم الملائكة يشهدون على العباد، وهم الحفظة، عن مجاهد، والأعمش. وقيل: الأنبياء، عن الضحاك. وقيل: جميع الخلائق، عن قتادة. وقيل: شهداء كل عصر من المؤمنين «هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ» يعني كذبوا الرسل، وأضافوا إليه ما لم ينزل «أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ» قيل: هذا كلام الأشهاد، وقيل: هو ابتداء كلام من جهة اللَّه تعالى، عن أبي مسلم. واللعن: الطرد والإبعاد في اللغة، وفي الشرع: عقوبة من اللَّه، واختلفوا فقال أبو علي: اللعن بشرط عدم التوبة، وقال أبو هاشم: اللعن يكون للمستحق فلا يحتاج إلى شرط «عَلَى الظَّالِمِينَ» قيل: الكافرين.

  ثم وصفهم، فقال سبحانه: «الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» أي: يمنعون الناس عن دين اللَّه، وذلك قد يكون بإلقاء الشبه، ويكون بالتهديد، والإطماع وغير ذلك «وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا» أي: يطلبون الدنيا زيغًا عن الاستقامة، وقيل: ابتغاء العوج الزيادة والنقصان في الكتاب لتغيير الأدلة، فلا تستقيم صفة النبي ÷ على ما كان يفعلها اليهود، وقيل: هو كتمان المراد، وتحريف التأويل، وإيراد الشبه، وقيل: يسلكون غير ما أمر اللَّه بسلوكه منها، عن أبي مسلم. «وَهُمْ بِالآخِرَةِ» أي: بالقيامة «هُمْ كَافِرُونَ» جاحدون، أما المشركون فينكرونها، وأما اليهود والنصارى فلا يؤمنون بها كما يؤمن المؤمنون «أُولَئِكَ» يعني هَؤُلَاءِ الكفار «لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ» أي: لا يمتنعون من عذاب اللَّه، ولا يمنعهم غيرهم، وقيل: سابقين، عن ابن عباس. وقيل: هرابًا، عن قتادة. وقيل: فائتين يعني وإن أمهلهم في الدنيا فلا يفوتونه لا في الدنيا ولا في الآخرة «وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ» أنصارًا ينصرونهم لدفع العذاب «يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ» أي: يزاد لهم العذاب، وقيل: على أنواع الكفر، ولا يفعل بهم إلا المستحق، عن أبي علي. وقيل: يضاعف «مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ» فلا يسمعون، ويستطيعون أن ينصروا، فلا ينصرون، فحذف الباء كقولك: لأجزينك ما عملت أي: بما عملت، وقيل: عذاب الضلال، وعذاب الصد عن الدين، وقيل: معناه كلما