قوله تعالى: {قالوا يانوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين 32 قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين 33 ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون 34}
  · المعنى: ثم بين تعالى ما جرى بين نوح وقومه، فقال سبحانه: «قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا» أي: خاصمتنا بغير حجة، أوهموا عند العجز عن الحجة أنه لا حجة له «فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا» أي: زدت على المقدار «فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا» من العذاب «إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ» قيل: في نبوتك، وقيل: فيما تعدنا من العذاب «قَال» نوح «إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ» يعني إنما يأتي بالعذاب اللَّه لا يقدر عليه غيره «إِنْ شَاءَ» أن يعذبكم، إن شاء عَجَّلَ، وإن شاء أَخَّرَ، على حسب المصلحة.
  ومتى قيل: ما غرضهم في استعجال العذاب؟
  قلنا: إيهام العامة أنه كاذب في دعواه.
  «وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ» أي: لا تفوتونه بالهرب «وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ» جمع نوح في هذه الآية بين الوعظ والتهديد والإنكار، ومعنى الآية: إن كان اللَّه يريد أن يعاقبكم، ويعذبكم بسوء عملكم وكفركم، ويحرمكم ثوابه، فليس ينفعكم نصحي ما دمتم على ما أنتم عليه، إلا أن تتوبوا، والغي: الخيبة وحرمان الثواب، وهذا قول أبي علي، وأبي مسلم. وقيل: كان في قوم نوح مُجْبِرَة يقولون: إن اللَّه تعالى يُضِلُّ عباده عن الدين، فنبههم بهذا القول على فساد ما يذهبون إليه، فقال على طريق الإنكار: إن كان كما تقولون من أن اللَّه تعالى يفعل فيكم الكفر، فما ينفعكم نصحي، فلا تطلبوا مني نصحا، وهذا قول جعفر بن حرب، وقيل: معناه إن كان الله يريد أن يهلككم فليس ينفعكم نصحي عند نزول العذاب بكم، وإن قبلتم وآمنتم؛ لأن حكم اللَّه لا يقبل الإيمان عند نزول العذاب، عن الحسن، وقيل: إذا كان في معلوم اللَّه أنكم لا تؤمنون، وأنه مهلككم بعذابه، فلا ينفعكم نصحي؛ لأنه لا ينجع فيكم «هُوَ رَبُّكُمْ» خالقكم ورازقكم «وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» إلى حكمه وتدبيره، لا حكم لغيره، وقيل: إن كان اللَّه يريد أن يحكم بغوايتكم عند نزول العذاب بكم، فلا ينفعكم نصحي، عن الأصم.