التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين 45 قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين 46 قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين 47 قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم 48 تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين 49}

صفحة 3507 - الجزء 5

  وثانيها: نداء تنبيه، كقوله: «يا نوح»؛ ولذلك أدخل حرف النداء، وهو الدعاء إلى أمر.

  والعياذ: طلب النجاة بما يمنع من الشر، عاذ يعوذ عوذًا وعياذًا فهو عائذ، والعياذ: الاعتصام بما يمنع من المكروه.

  والبركة: أصلها الثبوت، ومنه: البروك، والبركة: لثبوت الماء فيها، قال الشاعر:

  وَلاَ يُنْجِي مِنْ الْغَمَرَاتِ إِلَّا ... بَرَاكاءُ القِتَالِ أَوِ الْفِرَارُ

  أي: الثبوت للقتال، وتبارك اللَّه ثبت ودام، وقيل: ثبت تعظيمه لم يزل ولا يزال، فالبركة: ثبوت الخير بتمامه حالاً بعد حال.

  · الإعراب: «أُمَمٌ» رفع على الاستئناف، ونصب «فريقًا» في قوله: «فريقا هدى» على إعمال الفعل تقديره: كما بدأكم [تعودون] فريقًا فريقًا. «لكن» جواب الجزاء كقوله: {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ}.

  · المعنى: ثم حكى قصة نوح وابنه، فقال سبحانه: «ونَادَى نُوحٌ رَبَّهُ» أي: دعاه «فَقَالَ رَبِّ» أي: مالكي وخالقي وسيدي «إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي» وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي «وِإنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ» لا خلف فيه «وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ» فيما حكمت بهلاك قوم، ونجاة قوم «قَال» اللَّه تعالى «يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيسَ مِنْ أَهْلِكَ» اختلفوا في هذا الابن على ثلاثة أقوال:

  منهم من قال: إنه كان ابنه لصلبه، فلذلك قال تعالى: «وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ» ثم اختلف هَؤُلَاءِ في معنى الآية، فقيل: ليس من أهلك الَّذِينَ وعدتك أن أنجيهم معك، وكان ابنه لصلبه، عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، والضحاك، وعكرمة، وميمون بن مهران، والأصم، وأبي علي قالوا: ما بغت امرأة نبي قط، وكانت خيانتها في الدين تخبر الناس أنه مجنون، وهذا أصح ما قيل في الآية وعليه أكثر الأئمة. وقيل: ليس من أهلك من أهل دينك، وكان ابنه لصلبه.