التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين 45 قال يانوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين 46 قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين 47 قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم 48 تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين 49}

صفحة 3508 - الجزء 5

  الثاني: أنه لم يكن ابنه لصلبه، وكان لغير [رشدة] ولد على فراشه، وكان منافقًا، ولم يعلم به نوح، عن الحسن، ومجاهد، وابن جريج، وعبيد بن عمير، قال الحسن: وكان منافقًا.

  الثالث: كان [ابن] امرأته؛ ولذلك قال: «إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي» ولم يقل: «مني»، يروى ذلك عن محمد بن علي الباقر #، وكلا التأويلين لا يصح لقوله: «وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ».

  واختلفوا في دعائه له، قيل: لم يعلم كفره، وكان منافقًا يظهر الإيمان، ويبطن الكفر، عن الحسن، والأصم، وأبي علي، وأبي مسلم.

  وقيل: دعا بشرط الإيمان، وكان يرجو أن يؤمن، عن أبي مسلم.

  وقيل: عرف ذلك منه، ولكن لشفقته قال ما قال، والعقل لا ينكر الدعاء للكافر، إنما يمنع منه الشرع، ولعله دعا بحكم العقل حتى ورد الشرع بالنهي.

  ومتى قيل: لِمَ سأل من غير إذن، وعندكم لا يجوز ذلك على الأنبياء؟

  فجوابنا: سبق الوعد بإنجاء أهله، وكان من أهله، وكان ممكنًا أن يقف على إسلامه فلما لم يستدل صار ذلك صغيرة منه.

  وقيل: كان دعا ابنه إلى الإيمان، ودعا ربه في ابنه، ولم يكن عالمًا بحاله.

  «إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ» بينا اختلاف القراء والمفسرين «قَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» يعني لا تسألني شيئًا حتى تعلم أنه [جائز في] حكمي «إِنِّي أَعِظُكَ» أزجرك عن طريق الجاهلين، وذلك سؤال الجاهلين، قال أبو علي: أعظك لئلا تكون من الجاهلين، فحذف لدلالة الكلام عليه «قَال» نوح عند ذلك «رَبِّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ» أعتصم بك «أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ»؛ لأن السؤال على ضربين منه ما يحسن، ومنه ما يقبح، فلا يجوز أن يسأل إلا ما يعلم حسنه «وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي» ذلك «وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ» لنفسي، قيل: قال ذلك تذللاً وخشوعًا، ولم يسبق منه ذنب، وقيل: طلب