التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون 102}

صفحة 520 - الجزء 1

  ويُقال: علام يعود الضمير في قوله: «مِنْهُمَا»؟

  قلنا: فيه خلاف قيل: على الملكين، عن أكثر المفسرين، وهو قول أبي علي، وقيل: يعود على السحر والكفر، عن أبي مسلم، قال: لأنه تقدم الدليل عليهما في قوله: «كفروا» كقوله: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ١٠ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ١١}.

  يعني يتجنب الذكرى.

  ويُقال: ما معنى (مَنْ) في قوله: «لِمَن اشْتَرَاه»؟ وأين جوابها؟

  قلنا: فيه قولان: أحدهما: أنها بمعنى الجزاء، والآخر بمعنى (الذي)، وجوابها مكتف بجواب القسم، كقوله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ} فلذلك رفع. و (هاروت وماروت): اسمان أعجميان لا ينصرفان، ومحلهما جر؛ لأنه بدل من الملكين.

  ويُقال: علام يعطف «فَيَتَعَلَّمُونَ»؟

  قلنا: فيه ثلاثة أقوال:

  الأول: قيل: يأتون فيتعلمون، وقد دل أول الكلام على (يأتون)، فيتعلمون:

  عطف عليه.

  وقيل: يعلمون الناس السحر فيتعلمون، ذكر الوجهين الكسائي والفراء.

  والثالث: يعلمان فيتعلمون، عن الزجاج.

  ويقال: لِم لا يجوز أن يكون جوابًا للنفي في قوله: «وَمَا يُعَلّمَانِ»؟

  قلنا: لأن لفظه على النفي، ومعناه الإيجاب، كأنه قال: يعلمان إذا قالا: نحن فتنة فلا تكفر، واللام في قوله: «وَلَقَدْ عَلِمُوا» لام القسم.

  · النزول: عن الربيع أن اليهود سألوا محمدًا ÷ زمانًا عن أمور في التوراة لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل اللَّه عليه ما سألوا عنه فخصمهم، فلما رأوا ذلك قالوا: هذا أعلم بما أنزل علينا منا، وأنهم سألوه عن السحر وخاصموا به، فأنزل اللَّه تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتلُوا الشَّيَاطِينُ} الآية.