التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قالت ياويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب 72 قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد 73 فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط 74 إن إبراهيم لحليم أواه منيب 75 ياإبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود 76}

صفحة 3534 - الجزء 5

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما جرى بينهم بعد البشرى، ومعرفته بحالهم، فقال سبحانه: «قَالتْ» يعني: سارة امرأة إبراهيم «يَا وَيْلَتَى» تعجبًا منها «أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ» امرأة كبيرة «وَهَذَا بَعْلِي» زوجي «شَيخًا» أي: في حال الشيخوخة والكبر، وقيل: كانت ابنة تسعين سنة، عن محمد بن إسحاق، وقيل: تسع وتسعون سنة، عن مجاهد. وأما إبراهيم فقال: كان ابن مائة سنة، عن مجاهد، وقيل: ابن مائة وعشرين سنة، عن محمد بن إسحاق، وقيل: كان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة، وهي ابنة تسع وثمانين سنة، عن الأصم «إِنَّ هَذَا» الذي بشرت به «لَشَيءٌ عَجِيبٌ» قيل: لم تتعجب من قدرة اللَّه، ولم تُكَذِّبْ الرسل، ولكن أرادت أن تعرف أنها ترد إلى حال الشباب وتلد، أم على تلك الحالة ترزق الولد، وقيل: قالت ذلك إظهارًا للنعمة بنقض العادة فيها وفي زوجها، وقيل: تعجب لطبع البشرية، لا أنها أنكرت؛ لأنه إذا ورد هذا على النفس من غير روية وفكر تتعجب، كما أن موسى لما ولى قيل: لا تخف، وأقبل.

  ومتى قيل: لِمَ لا تلد العجوز؟

  قلنا: أما عند مشايخنا بأنه تعالى أجرى العادة بذلك، ولو أجرى بأن تلد العجوز جاز؛ إذ ليس في الولد تأثير، وإنما هي محل واللَّه تعالى يخلق الولد، ويربيه حالا بعد حال، ثم يخرجه، وقيل: لأن الماء الذي يخلق منه الولد انقطع لدليل ارتفاع الحيض، عن علي بن عيسى، فيقال له: لم انقطع الماء؟ فإن قال: لأنه تعالى يقطعه بالعادة، عاد الأمر إلى ما قلناه، وإن قال: ينقطع بالطبع، فليس بشيء، وقد بَيَّنَّا بطلان الطبيعة، وبعد، فإنه تعالى قادر على خلق الولد من غير ماء؛ لأنه أجرى العادة بذلك.