التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد 100 وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب 101 وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد 102 إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود 103 وما نؤخره إلا لأجل معدود 104 يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد 105}

صفحة 3563 - الجزء 5

  · الإعراب: «ذلك» إشارة إلى النبأ، تقديره: ذلك النبأ من أنباء القرى، وقيل: بل إشارة إلى الوحي، أي: ما أوحينا إليك.

  والكاف في قوله: «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ» كاف التشبيه يعني أخذه لهَؤُلَاءِ كأخذه لأولئك.

  والضمير في قوله: «نؤخره» و «يوم يأتي» عن يوم الجزاء الذي تقدم في قوله:

  {يَوْمٌ مَشْهُودٌ}، وقيل: يعود إلى العذاب في قوله: «عَذَابَ الْآخِرَةِ».

  · المعنى: لما تقدم نبأ الأنبياء وَعَظَ المخاطبين بأتم موعظة ترغيبًا وترهيبًا، فقال سبحانه: «ذَلِكَ» أي: ما تقدم ذكره من قصص الأنبياء والأمم «مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى» أي: من أخبار البلاد «نَقُصُّهُ عَلَيْكَ» يا محمد «مِنْهَا» يعني من القرى «قَائِمٌ» على بنائه، لم يذهب أصلاً، وإن كان خاليًا من الأهل «وَحَصِيدٌ» قد خرب وذهب أصلًا، عن قتادة، والأصم، وأبي مسلم، وقيل: قائم له أثر «وَحَصِيدٌ» لا أثر له، عن مقاتل، وقيل: قائم: خاوية على عروشها، وحصيد مستأصل، وقيل: القائم القرى التي لم تهلك، والحصيد: التي أهلكت، عن ابن إسحاق، وأبي علي، قال الحسن: وما حصده اللَّه أكثر «وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ» بإهلاكهم «وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ» حين كفروا وعصوا حتى استحقوا العذاب، فبخسوا حق أنفسهم «فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ» أي: ما كفاهم شيئًا، ولا دفع عنهم عذابًا. و (آلهتهم) يعني الأوثان «الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» أي: يعبدونها، ويعبدون غيرها، ويدعونها إلهًا «لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ» قيل: عذاب ربك، وقيل: أمر وبك بإهلاكهم «وَمَا زَادُوهُمْ» قيل: ما زادت الأوثان من عبدها، وقيل: ما زادت الدعاة إلى عبادة الأوثان أتباعها «غَيْرَ تَتْبِيبٍ» قيل: غير خسار، والتباب: الهلاك، عن أبي مسلم، يعني: لَمْ يزيدوهم شيئًا إلا الهلاك، وقيل: اعتقادهم جواز العبادة لغير