قوله تعالى: {قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون 13 قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون 14 فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابت الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون 15}
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى أنهم لما أظهروا الشفقة والنصيحة هَمَّ يعقوب أن يبعثه معهم، وحثهم على حفظه، فقال سبحانه: «قَال إِنّي لَيَحْزُنُنِي» يعني يعقوب قال لهم: إني ليغمني «أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ» أي: يحزنني غيبته عني، ومفارقته إياي، عن أبي مسلم، وقيل: ليغمني أخاف عليه شغلكم بالرعي أو غيبتكم وانفراده عنكم، قيل: كان يعقوب رأى في منامه أن الذئب شد عليه، وهو ينزعه منه، فلهذا قال ذلك، وقيل: خاف عليه الضياع، فأكد عليهم في الحفظ، وقيل: كانت أرضهم مَذْأَبَةً، فخاف عليه الذئب، قال الحسن: علم أنه لا يأكله الذئب، لكنه خَوَّفَهُم، وقيل: كانوا لا يعلمون ما يقولون ليعقوب إن اعتلوا، فلما قال: أخاف أن يأكله الذئب قالوا: وجدنا العلة «قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ» جماعة نرى الذئب قد قصده، فلا نمنعه عنه «إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ» قيل: كالذي ذهب رأس ماله على رغم منه، وقيل: إنا عجزة ضعفة، وقيل: خسرنا أنفسنا حيث دفع عنا، وخسرنا أخانا، عن أبي علي، فتكفلوا به وبحفظه، قال الحسن: وايم اللَّه كانوا أخوف عليه من الذئب «فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ» قيل: فيه حذف، وهو أنه أرسله معهم، قيل: أرسله إرادة لفرح قلبه في الخروج معهم، وقيل:
  إجابة لما سألوه ليؤدي إلى ألفة ومحبة، وذهبوا به «وَأَجْمَعُوا» أي: عزموا جميعًا «أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ» قعر البئر الذي يغيب فيها الشيء، عن الحسن، وقيل: طلبوا بئرًا قليلة الماء، فجعلوه فيها، وقيل: بل جعلوه في جانب منها، وقيل: أرسله معهم، فأخرجوه مكرمًا، فلما وصلوا إلى البئر أظهروا العداوة، وجعلوا يضربونه، وهو يستغيث بواحد واحد فلا يغيثه، ويقول: يا أبتاه، فهموا بقتله، فمنعهم يهوذا، فانطلقوا به إلى الجب، فجعلوا يدلونه في البئر، وهو يتعلق بشفير البئر، ونزعوا قميصه، فقال: لا تفعلوا ردوا عليَّ القميص، أتوارى به، فيقولون: ادع الشمس والقمر والأحد عشر الكوكب تؤنسك، فيقول: لم أرَ شيئًا، فربطوا يده ودلوه في البئر، وكان في البئر ماء، فسقط فيه، ثم آوى إلى صخرة، فكان يهوذا يأتيه بالطعام،