قوله تعالى: {قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين 32 قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين 33 فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم 34 ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين 35}
  حروف الابتداء، فالجارة كالذي في الآية، والعاطفة كقولهم: خرج الناس حتى الأمير، والناصبة «حتى يَأْتِيَ وعدُ اللَّهِ»، وحرف من حروف الابتداء، كقولك: سرحت الناس حتى زيدٌ مسرحٌ.
  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما وصف به يوسف من البراءة، فقال سبحانه: «قَالَتْ» يعني راعيل امرأة العزيز للنسوة التي جمعتهن «فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ» جعلت إعظامهن إياه [عُذْرًا] لها، يعني هذا الذي أصابكن في رؤيته من ذهاب العقل هو الذي لمتنني فيه، أي: في حبي إياه، وشغفي به، وقيل: قالت: أنتن بنظرة واحدة أحببتنه هذا الحب، فكيف حالي، وأنا أنظر إليه آناء الليل والنهار، ثم أَقَرَّتْ على نفسها، واعترفت ببراءة يوسف، فقالت: «وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ» أي: أردت منه الفاحشة «فَاسْتَعْصَمَ» أي: امتنع بِاللَّهِ، وسأله العصمة من فعل القبيح «وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ» أي: إن لم يطعني فيما أمرته ودعوته إليه «لَيُسْجَنَنَّ» أي: ليحبسن «وَلِيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ» من الأذلاء، فلما رأى يوسف إصرارها على ذلك، وإيعادها له، ولم يكن له جواب استعاذ بِاللَّهِ فـ «قَالَ رَبِّ السِّجْنُ» الحبس «أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ» يعني أختار الحبس على الفاحشة، وإلا فكان لا يحب الحبس.
  ومتى. قيل: السجن كان معصية، فكيف اختاره؟
  قلنا: دفع إلى أمرين السجن أو النار، فاختار أهونهما، وقيل: كونه في السجن على هذا الوجه طاعة فيجوز أن يختاره، وإنما قبح لفعلهم، وقيل: هو على التقدير، أي: لو كان مما أريد لكان إرادتي لهذا أشد، وقيل: معناه السجن أسهل عَلَيَّ من الزنا، وقيل: توطيني نفسي على السجن أحب إلي من توطيني نفسي على الزنا، عن أبي علي «مما يدعونني إليه» يعني النسوة، قيل: لأنهن دعونه إلى ما دعته إليه امرأة العزيز بدلالة الكلام، عن أبي علي، وقيل: إنهن قلن لها: نحن نسأله أن يفعل ما دعوته إليه «وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي» بألطافك وصنعك «كيدَهُنَّ» حيلهن، وهو إظهار