التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين 36 قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون 37 واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون 38}

صفحة 3643 - الجزء 5

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما جرى عليه في الحبس، فقال سبحانه: «وَدَخَلَ مَعَهِ» أي: مع يوسف، وفي الكلام حذف، تقديره: فحبسوه، وفي قوله: «ودخل معه» دليل على المحذوف، عن أبي علي «السِّجْنَ فَتَيَانِ» قيل: غلامان لملك مصر، واسمه: الوليد بن ريان، أحدهما صاحب طعامه، والآخر صاحب شرابه، واختلفوا في سبب حبسهما، فقيل: انتهى إليه أن صاحب طعامه يريد أن [يسمَّه]، وأن الآخر سانده فحبسهما، عن قتادة، والسدي، وقيل: إن أهل مصر أرادوا المكر، فدسوا إلى هذين، وضمنوا لهما مالاً لِيَسُمَّا الملك، فأجابا ثم ندم صاحب الشراب، وعزم صاحب الطعام، فلما أحضر الطعام قال الساقي: أيها الملك لا تأكل، فإن الطعام مسموم، وقال الآخر: لا تشرب؟ فإن الشراب مسموم، فقال الملك للساقي: اشرب فشرب فلم يضره، وقال للخباز: كل من طعامك فأبى، فجرب على حيوان، فهلكت، فحبسا و «قَال أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي» قيل: إن يوسف قال لأهل السجن: إني أعبر الرؤيا، روي أنهما قالا له: لقد أحببناك حين رأيناك، فقال: لا تحباني، فواللَّه ما أحبني أحد إلا دخل عليه من حُبيِّ بلاء، أحبتني عمتي فنسبوني إلى السرقة، وأحبني أبي فألقيت في الجُب، وأحبتني امرأة العزيز فألقيت في السجن، فلا تحباني بارك اللَّه فيكما، فقال أحدهما لصاحبه: هلم فلنجربه، فسألاه، فقال أحدهما: إني رأيت في النوم كأني أعصر خمرًا، وقال الآخر: رأيت كأني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه، قيل: لم يكونا رأيا شيئًا، وإنما سألا ليجربا. عن ابن مسعود قال: إنهما قالا ما رأينا شيئًا إنما كذبنا لنجربك، وقيل: بل رأياه على صحة وحقيقة، ولكن كذبا في الإنكار، عن الأصم، وأبي علي، وقيل: بل رأى واحد، ولم ير الآخر، حكاه الأصم «أَعْصِرُ خَمْرًا» قيل: أعصر العنب للخمر، وقيل: هي لغة تسمي العنب خمرا، عن الضحاك، وقيل: هي لغة عُمان، وقيل: تقديره: عنب الخمر، عن الزجاج،