التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين 36 قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما مما علمني ربي إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله وهم بالآخرة هم كافرون 37 واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون 38}

صفحة 3644 - الجزء 5

  وقيل: قال أحدهما وهو صاحب الشراب: رأيت كأني في بستاني، وإذا بأصل حَبْلَةٍ عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها، وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه، وسقيت الملك، فشربه، «وَقَالَ الآخَرُ» وهو صاحب الطعام «إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ» رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وسائر الأطعمة، فإذا سباع الطير ينهشن منه، «نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ» أي: أخبرنا بتعبيره وما يؤول إليه أمر هذه الرؤيا، إنا نراك من المحسنين، قيل: رأوه قائمًا يذكر اللَّه، عن الأصم، وقيل: من الَّذِينَ أحسنوا العلم، عن الفراء، وقيل: نراك من المحسنين إلينا في تعبير الرؤيا إن فسرت لنا الرؤيا فقد أحسنت، عن ابن إسحاق، وأبي مسلم، وقيل: نراك من المحسنين في تعبير الرؤيا؛ لأنه كان يعبر لغيرهم فَيُحْسِنُ، عن أبي علي، وقيل: كان يداوي مريضهم، ويعزي حزينهم، ويجتهد في عبادة ربه، عن قتادة، وقيل: كان يعين المظلوم، وينصر الضعيف، ويعود المريض، عن الزجاج، وقيل: كان يقوم على مرضاهم، ويوسع على من ضاق أمره، ويجمع له، عن الضحاك، فعند ذلك «قَالَ» يوسف «لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ». قيل: كره أن يخبرهما بالتأويل لما على أحدهما فيه من البلاء، فعدل إلى الإخبار عن شيء آخر، فلم يدعاه حتى أخبرهما، عن ابن جريج، وقيل: إنما قدم هذا ليعلما ما خصه اللَّه تعالى به من النبوة، وليقبلا عنه، ويقيما على طاعة اللَّه تعالى، وقال: لا يأتيكما طعام، ولهذا بدأ ببيان المعجزة بالدعاء إلى التوحيد والدين، وقيل: هما طلبا النفع بسؤال الرؤيا، فلا يأتيكما طعام «تُرْزَقَانِهِ» في منامكما «إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا» أخبرتكما «بِتَأْوِيلِهِ» في اليقظة، عن السدي، وابن إسحاق، وقيل: كان الملك إذا أراد قتل إنسان صنع له طعامًا معلومًا وأرسله إليه، فعلى هذا ترزقانه في اليقظة، عن ابن جريج، يعني أخبر بما يأتي من الطعام الدال على القتل، وقيل: إنه كان يخبر بما غاب كما كان يخبر عيسى #،