التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار 39 ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 40 ياصاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان 41 وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين 42}

صفحة 3648 - الجزء 5

  · النظم: يقال: لم قدم يوسف هذه المقدمة قبل تعبير الرؤيا؟ وكيف يتصل بما قبله؟

  قلنا: فيه وجوه:

  أحدها: لما تقدم إظهار المعجزة بعلم الغيب وغيره أتبعه بالدعاء إلى الدين وعبادة اللَّه تعالى وترك الشرك.

  وثانيها: قيل: إنه وجد فرصة منهما لقبول كلامه، فبدأ بالدعاء إلى الدين قبل تعبير الرؤيا، عن الأصم.

  وثالثها: قيل: علم أن أحدهما يقتل والآخر يكرم، فأراد أن يخرجا من عنده على دين صحيح ليهلك الهالك عن بينة، ويحي الحي عن بينة إشفاقًا عليهما.

  ورابعها: قيل: أهم الأشياء الدعاء إلى الدين، وهو فرض لا يجوز تأخيره؟

  فلذلك بدأ به.

  · المعنى: «يَا صَاحِبَي السِّجْنِ» سماهما بذلك لكونهما في السجن، وهو الحبس «أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ» قيل: أَمْلاكٌ متباينون من حجر وخشب لا تنفع ولا تضر خير، أم اللَّه الواحد القهار القادر الذي إليه الخير والشر، والنفع والضر، وقيل: عبادة واحد حي قادر خير، أم عبادة أحجار وخشب لا تقدر ولا تحيي، والقهار: القادر الذي لا يمتنع عليه شيء «مَا تَعْبُدُونَ» ابتدأ بخطاب اثنين، ثم خاطب بلفظ الجمع، قيل: لأنه قصد جميع من هو في مثل حالهما، وقيل: خاطب جميع من هو في الحبس، وقيل: يجوز أن يخاطب الاثنان بلفظ الجمع «مِنْ دُونِهِ» أي: من دون اللَّه «إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا» يعني: يسمون الأوثان آلهة، ولا يصح معانيها،