قوله تعالى: {ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار 39 ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 40 ياصاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان 41 وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين 42}
  فكأنهم عبدوا أسماء، لا أشخاص لها، وقيل: ما تعبدون إلا أصحاب أسماء سميتموها لا حقيقة لها «أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ» يعني هذه التسمية صدرت منكم ومن آبائكم ولا حقيقة لها «مَا أَنْزَلَ اللَّه بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ» أي: من حجة، يعني ليس في عبادة غير اللَّه حجة، بل الحجة قائمة على بطلانه «إِنِ الْحُكمُ إِلَّا لِلَّهِ» أي: الحكم على العباد في الأمر والنهي له، وقد أمركم [ألا تعبدوا] إلا إياه، و «ذَلِكَ» يعني التوحيد والعدل وعبادة اللَّه لا غيره «الدِّينُ الْقَيّمُ» المستقيم الذي لا عوج فيه «ولَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ» قيل: التوحيد، عن أبي علي؛ لأنه إنما يعلم من تدبر الأدلة، وترك هواه، وعرف الحق وهم الأقل، ثم عبر رؤياهما فقال: «يَا صَاحِبَي السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا» قيل: قال للساقي، أما العناقيد الثلاثة فتبقى في الحبس ثلاثة أيام، ثم يخرجك الملك، وتعود إلى ما كان. ومعنى (ربه) أي: مالكه؛ لأنه كان عبده «وَأَمَّا الآخَرُ» وهو صاحب الطعام «فَيُصْلَبُ فَتأكل الطَّيرُ مِنْ رَأْسِهِ»، قال ابن مسعود: قالا: ما رأينا شيئًا كنا نلعب، فقال يوسف #: «قُضِيَ الأمرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ» أي: فرغ من الأمر الذي تسألان، وتطلبان معرفته، ونزل بكما ما قلت، وهذا إنما قاله عن وحي، وقيل: وقع الأمر، وقيل: الذي أخبره بالصلب قال هو: ما رأيت شيئًا «وَقَالَ» يوسف «لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا» والظن بمعنى اليقين هذا قول الأكثر، واختيار أبي علي، وفسره قتادة بالظن الذي هو خلاف اليقين، قال: لأن عبارة الرؤيا ظن، فيحقق اللَّه ما يشاء، والأول أصح، وقيل: الظن يرجع إلى الناجي، لا إلى يوسف، ومعنى «نَاجٍ» أي: يتخلص من السجن، ويعود إلى مرتبته «اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبّكَ» أي: سيدك، وهو المالك، وقيل: لما بقي في السجن مدة لا يذكره أحد قال لهذا: اذكر للملك بأن في السجن غلامًا محبوسًا حُبس ظلمًا، لعله يخرجه، وقيل: قال له: اذكر حالي لعله يرغب فيه، ويخرجه من السجن «فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ» يعني أنسى الشيطان يوسف ذكر اللَّه في تلك الحال، فاستعان بالمخلوق فلبث في السجن، عن ابن عباس، والأصم، والحسن. وقيل: أنسى الشيطان الساقي ذكر يوسف عند الملك، فلم يذكره