التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياصاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار 39 ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 40 ياصاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضي الأمر الذي فيه تستفتيان 41 وقال للذي ظن أنه ناج منهما اذكرني عند ربك فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين 42}

صفحة 3650 - الجزء 5

  حتى لبث في السجن، عن محمد بن إسحاق، والحسن، وأبي علي، وأبي مسلم، وتقديره: فأنساه الشيطان ذكره لربه.

  ومتى قيل: كيف استعان بمخلوق حتى روي عن النبي ÷ فقال: «رحم اللَّه يوسف لولا كلماته ما لبث في السجن طول ما لبث» وروي عنه: «عجبت من أخي يوسف كيف استعان بالمخلوق دون الخالق»، وروي «أن جبريل أتاه، وقال: يا يوسف، يقول لك ربك: ما استحييت أن استعنت بالآدميين، لألبثنك في السجن بضع سنين، فقال يوسف: وهو في ذلك عني راضٍ؟ قال: نعم، قال: لا أبالي».

  قلنا: الاستعانة بالعباد في دفع المضار والتخلص من الظلم جائز، بل ربما يجب ذلك؛ ولهذا كان النبي ÷ يستعين بالأنصار والمهاجرين وغيرهم، ولهذا ذم اللَّه تعالى المتخلفين من الأعراب، وإنما عجب النبي ÷؛ لأنه ترك عادته في الصبر، والتوكل على اللَّه دون غيره، ويحتمل أنه فعل ذلك بغير إذن، ويحتمل أنه كان متعبدًا بألّا يشكو إلى غيره.

  ومتى قيل: كيف أضاف النسيان إلى الشيطان، وهو فعل اللَّه تعالى؟

  قلنا: لأنه تعرض للنسيان لاشتغاله بخدمة الملك وغيره، فلما شغله الشيطان بذلك حتى نسي أضاف إليه.

  «فَلَبِثَ فِي السّجْنِ» أي: مكث، وبقي فيه «بِضْعَ سِنِينَ» قيل: اثنتي عشرة سنة، عن ابن عباس، وقيل: سبع سنين عند أكثر المفسرين، وقيل: كان في السجن قبل هذه الكلمة سبع سنين، وبعدها خمس سنين، عن مقاتل، وقيل: قبلها خمس، وبعدها سبع سنين، عن الكلبي، وقيل: كان سبع قبلها وسبعٌ بعدها، وقيل: كان قبلها ثلاث عشرة سنة، وبعدها سبع سنين، حكاه الأصم.