التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون 58 ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين 59 فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون 60 قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون 61 وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون 62}

صفحة 3669 - الجزء 5

  وأين الآخر؟ قالوا: عند أبينا، قال: فمن يعلم أن ما قلتم حق؟ قالوا: نحن ببلاد غربة، لا يعرفنا أحد، قال: فكيف تخبرون أن أباكم صِدّيق، وهو يحب الصغير منكم، ائتوني بأخيكم أنظر إليه فأنا أرضى بذلك، قالوا: فإن أبانا يحزن على فراقه، وسنراود عنه أباه، قال: دعوا بعضكم رهينة، فتركوا شمعون عنده، وكان أبرَّهُمْ بيوسف، وأحسنهم رأيًا فيه.

  ومتى قيل: لِمَ لَمْ يعرفهم يوسف نفسه؟

  قلنا: لعله خاف ألا يرجعوا إليه، وقيل: ربما لو عرفوه كتموه، ولم يحملوا أخاه إليه، وقيل: إنه لم يؤذن بالتعريف تمامًا للمحنة على يوسف ويعقوب، ولما علم اللَّه تعالى فيه من الصلاح، وهذا هو الوجه.

  «وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ» أي: جعل لكل رجل منهم ما باعه، وهو حمل بعير، فكان لا يدفع إلى واحد أكثر من ذلك توسعة للخلق «قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ» وهو بنيامين أخ لهم من الأب، وليوسف من الأب والأم، عن قتادة.

  ومتى قيل: كيف استجاز أن يطلب أخاهم، ولا معاملة بينه ويبنهم؟

  قلنا: لما ذكروا ميل أبيهم إليه أحب أن يراه، ويعلم حاله، وقيل: أحب حصول الأبوين عنده على التدريج فيه باستدعاء أخيه، وقيل: إنما فعل جميع ذلك بإذن اللَّه، وأمره لما علم فيه من المصلحة.

  «أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ» أي: لا أبخس أحدًا شيئًا، فأتم لكم ما أكيل لكم، وأزيدكم حمل بعير لأجل أخيكم، وأكرم منزلتكم «وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ» قيل: أنزل كل أحد منزلته، وقيل: خير المضيفين، عن مجاهد، وقيل: أنصفكم في المبايعة، وأحسن جزاءكم، عن أبي علي «فَإِنْ لَمْ تَأتوني بِهِ فَلا كيلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلأ تَقْرَبُونِ» أي: ليس لكم عندي طعام أكيله عليكم، «ولا تقربون» أي: لا تقربوا داري وبلادي بعد ذلك «قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ» قيل: نطلب أباه ونسأله أن يرسله معنا، وقيل: سنخدع