التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وجاء إخوة يوسف فدخلوا عليه فعرفهم وهم له منكرون 58 ولما جهزهم بجهازهم قال ائتوني بأخ لكم من أبيكم ألا ترون أني أوفي الكيل وأنا خير المنزلين 59 فإن لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون 60 قالوا سنراود عنه أباه وإنا لفاعلون 61 وقال لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا انقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون 62}

صفحة 3670 - الجزء 5

  أباه حتى يرسله معنا، عن ابن عباس، ومعناه: نتلطف به «وَإِنَّا» له «لَفَاعِلُونَ» وعد منهم إياه، ثم اختلفوا، فقيل: يجتهدون في المسألة، عن ابن عباس، وأبي مسلم، قال: وذلك لأنهم جوزوا ألَّا يجيبهم يعقوب إلى ذلك، فوعدوه الاجتهاد، وقيل: لصائرون إليك به إن أرسله أبوه معنا، عن أبي علي، فالوعد على هذا الشرط، وقيل: لفاعلون أي: نأتيك به على كل حال، فالوعد على القطع، عن الأصم «وَقَالَ» يوسف «لِفِتْيَانِهِ» قيل: لعبيده وغلمانه، عن قتادة، وأبي مسلم، وقيل: لأعوانه، عن الأصم «اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ» أي: ثمن طعامهم، وما كانوا جاءوا به «فِي رِحَالِهِمْ» في أوعيتهم «لَعَلَّهُمْ» يعرفون ذلك «إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» إليَّ.

  ومتى قيل: فما السبب في جعل ذلك في رحالهم؟ وأي تعلق له بالرجوع؟

  قلنا: للعلماء فيه وجوه:

  قيل: كانوا إخوته وأولاد الأنبياء، فأراد أن يبرهم على وجه لا يلحقهم امتنان ومذلة.

  وقيل: علم أنهم إذا رأوا ردوه عليه.

  وقيل: إزالة للتهمة أنه لا يطلب أخاه لطمع أو زيادة ثمن، أو نحو ذلك، وإنما يطلب للنظر والمعرفة، عن أبي علي.

  وقيل: أراد أن يعرف أبوه فرط إكرامه لهم، وجميل رعايته إياهم، فيكونوا إلى العود أقرب، وبعثه أخاه معهم آمن، عن الأصم.

  وقيل: لأنه رأى أخذ الثمن من إخوته، وهو فيما يأكلون لومًا مع حاجتهم إليه، فرده من حيث لا يشعرون، تكرمًا وفضلاً.

  وقيل: ليرجعوا إليه بما يظهر من تكرمته في ردها في زمان الجدب.