التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فلما رجعوا إلى أبيهم قالوا ياأبانا منع منا الكيل فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون 63 قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين 64 ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا ياأبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير 65 قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل 66}

صفحة 3674 - الجزء 5

  يبعث معهم أخاهم يمنع منهم الكيل «فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا» بنيامين إلى ملك مصر «نَكْتَلْ» نحن وهو، وبالياء يكتل هو أيضًا لنفسه «وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» قيل: نحفظه بجهدنا حتى نرده عليك، وقيل: نحفظه من الآفات والغوائل «قَالَ» يعقوب «هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ» يعني إن ضمنتم حفظه لم يكن هذا الضمان في الثقة به إلا كضمانكم حفظ أخيه يوسف، وتقديره: هل هذا الضمان إلا كالضمان على حفظ يوسف، وإنما قرعهم بحديث يوسف، وإلا علم في هذه الحال أنهم لا يفعلون ما لا يجوز «فَاللَّهُ خَيرٌ حَافِظًا» يعني حفظ اللَّه بنيامين خير من حفظكم، عن أبي علي، وقيل: معناه: وثقت بكم في حفظ يوسف، فكان ما كان، فالأولى أتوكل على اللَّه في حفظ بنيامين، وقيل: معناه: فاللَّه خير حافظًا ليوسف، وكان يعلم أنه حي، عن الأصم، وقيل: ذكر ذلك على سبيل استنزال الرحمة.

  ومتى قيل: لِماذا بعث معهم وقد دهاه منهم ما دهاه مع هذا الكلام؟

  قلنا: لتغيير الأحوال؛ لأنهم لما كبروا مالوا إلى الخير والصلاح، وقيل: الضرورة والقحط ألجآه إلى ذلك، وقيل: إنه تعالى أوحى إليه بذلك، وضمن حفظه، وهذا هو الوجه «وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ» بخلقه يرحم ضعفي وكبر سني، ويرده على، «وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ» يعني ما حملوه من مصر، وقيل: أوعية الطعام «وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ» ثمن الطعام «رُدَّتْ إِلَيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي» قيل: أي شيء نطلب وراء هذا، أوفى لنا الكيل، ورد علينا الثمن، عن قتادة، وأرادوا أن تطيب نفس يعقوب، فيبعث بابنه معهم، وقيل: استبشر بوجود بضاعتهم لضيق أيديهم، وهذا لا يصح، وقيل: ما نطلب بما أخبرناك عن ملك مصر الكذب، ودليله: «هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَينَا»، عن أبي علي، والفراء، والزجاج، وقيل: ما نريد منك شيئًا أن تعطينا فإن هذه بضاعتنا ردت إلينا، والملك لا يأخذ منا شيئًا إحسانًا وإكرامًا، وإذا فعلنا ما