التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وقال يابني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون 67 ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم من الله من شيء إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون 68}

صفحة 3677 - الجزء 5

  {إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ} استثناء.

  · المعنى: ولما عزم يعقوب على إرسال ابنه معهم أوصاهم كيف يدخلون مصر، فقال سبحانه حاكيًا عنه: «يَابَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ» إذا دخلتم مصر «وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ» وقيل: خاف عليهم العين؛ لأنهم كانوا ذُوِي جمال وهيئة وكمال، وهم إخوة ولد رجل واحد، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، والضحاك، والسدي، والأصم، وأبي مسلم، وقيل: خاف عليهم حسد الناس لهم، وأن يبلغ الملك قوتهم وبطشهم، فيحبسهم أو يقتلهم خوفًا على ملكه، عن أبي علي، وأنكر العين، وذكر أنه لم يثبت بحجة، وقيل: خاف عليهم الغوائل إذا كانوا مجتمعين، فرأى التفرق أسلم، عن أبي علي، وقيل: أراد بافتراقهم أن يصل بنيامين إلى يوسف، عن النخعي «وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ» يعني أن ما يريد اللَّه بكم لا ينفع منه الاحتياط، وإن كان ينفع من الناس، ومنه: قيل: لا ينفع الحذر إذا جاء القدر.

  ولما أمرهم بالحذر عقبه بهذا؛ كيلا يظن ظان أن الحذر ينفع عند نزول المقادير منه سبحانه «إنِ الْحُكْمُ» أي: الحكمة «إِلَّا لِلَّهِ» وهو لا يحكم إلا بالحكمة والصواب «عَلَيهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ» أي: فوضت أمري إليه، وكذلك يفعل كل من توكل عليه، وقيل: إنما قال ذلك ليؤكد عليهم التمسك بطاعة الله واجتناب معاصيه، وطلب الرزق من حيث أمر به، عن أبي علي «وَلَمَّا دَخَلُوا» مصر «مِنْ حَيثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ» قيل: كان بمصر أربعة أبواب فدخلوها من أبوِابها متفرقين «مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيءٍ» أي: لم يغن عنهم ذلك الاحتياط شيئًا إذا أراد اللَّه ابتلاءهم بشيء فاجتنابهم لا يعصمهم من ذلك «إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا» يعني إلا غرضًا كان في نفس يعقوب حصل له وتمم عليه، واختلفوا في تلك الحاجة، قيل: تفرقهم كان حاجة في نفس يعقوب، كان يراه صوابًا، وأشفق عليهم إشفاق الآباء على