التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم 83 وتولى عنهم وقال ياأسفا على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم 84 قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين 85 قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون 86}

صفحة 3701 - الجزء 5

  و (يا) في قوله: «يا أسفى» نداء، ومعناه البيان أن الحال حال حزن، كأنه قيل: يا أسف هذا من [أوانك]، ومثله: واحزناه.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى ما جرى بينهم وبين أبيهم عند رجوعهم، فقال تعالى: «قَالَ» يعني يعقوب، وفي الكلام محذوف، دل عليه ما بقي، تقديره: فلما رجعوا إلى أبيهم، وقصوا عليه القصة، قال لهم مجيبًا: «بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ» قيل: زينت، عن قتادة، والأصم، وقيل: سهلت، عن أبي علي، وقيل: سولت لكم أنفسكم حين ذهبتم به لتزدادوا حمل بعير، وقيل: أردتم أمرًا وهممتم به، وقيل: أعطيتم أنفسكم سؤلها، عن أبي مسلم.

  ومتى قيل: هم لم يفعلوا قبيحًا، فلماذا خاطبهم بهذا؟

  قلنا: قيل: لعله اتهمهم في تخلفهم، وقيل: تذكر حديث يوسف، فرجع الكلام إليه، وقيل: إنه قال لهم في ذهابهم به على ما ذكرنا، وهو الأوجه.

  «أَمْرًا» قيل: أمرًا أردتم به، وقيل: أردتم إتمام الميرة «فَصَبْرٌ جَمِيلٌ» أي: شأني صبر جميل، لا جزع معه «عَسَى اللَّهُ» طمع ورجاء «أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا» يوسف وبنيامين، وقيل: أوحى اللَّه إليه بذلك، فقوله: «عسى» واجب، وإنما أبهم ولم يفسر؛ لأنه علم أن حديث السرقة باطل، ولكن لم يعلم تفاصيله، إنه هو الحكيم في تدبير خلقه، العليم بأحوالهم، وحزني على فقدهم، وقيل: العليم بما تقولون من صدق أو كذب «وَتَوَلَّى عَنْهُمْ» أي: انصرف، وقيل: ما حدث من أمر بنيامين جدد حزن يوسف، فقال «يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ» والأسف أشد الحزن، ومعناه: يا حزناه، عن الحسن، وقتادة، والضحاك، ومجاهد «وَابْيَضَّتْ عَينَاهُ مِنَ الْحُزْنِ» والبكاء، فلما كان البكاء من الحزْن أضاف العمى إليه، وقيل: عمي فلم يبصر ست سنين، عن