قوله تعالى: {ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون 94 قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم 95 فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون 96 قالوا ياأبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين 97 قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم 98}
  وثانيها: أنه رأى أمارات رجا ربه رجاء قويًا بورود يوسف عليه، أو أتاه الوحي بما جرى من يوسف وإخوته وتوجيه القميص، فذكر أمر الريح ووجدانها مجازًا، كما يقال: شممت روائح الخير، عن أبي مسلم، وجوز الوجه الأول أيضًا.
  [«لَوْلَا] أَنْ تُفَنِّدُونِ»، قيل: تكذِّبوني، والفَنَدُ الكذب، عن ابن عباس، ومجاهد، وقيل: تهرمون، عن الحسن، وقتادة، وقيل: تضعفوني، عن ابن إسحاق، وقيل: تقولون: شيخ قد خرف وذهب عقله، وقيل: تلومون، عن الأخفش، وأبي مسلم، وقيل: تضللوني، عن أبي عبيدة «قَالُوا تَاللَّه إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ» في خطئك من حبك يوسف وكثرة ذكره، ألا تنساه، وقيل: إنما قالوا له هذه الكلمة الغليظة إشفاقًا عليه، فخفف اللَّه عنهم، عن قتادة، وقيل: كان عندهم أن يوسف مات، فكان بذكره ذاهبًا عن الصواب، عن الحسن، ولا شبهة أنهم لم يريدوا الضلال في الدين «الْقَدِيمِ» المتقدم «فَلَمَّا أَنْ جَاء الْبَشِيرُ» برسالة يوسف وقميصه، قيل: كان البشير يهوذا، عن ابن عباس، وقيل: كان البشير مالك بن ذعر رجلا من مدين، عن ابن عباس بخلاف، وقيل: جاء البشير من بين يدي العير، عن ابن مسعود، وقيل: قال يهوذا: أنا ذهبت بالقميص ملطخًا بالدم، فأخبرته أن يوسف أكله الذئب، فأنا أذهب بالقميص اليوم، فأخبره أنه حي، فأفرحه كما أحزنته، وقيل: خرج حافيًا حاسرًا يعدو معه سبعة أرغفة، فما استوفاها حتى أتى أباه، وكانت المسافة ثمانين فرسخًا، عن ابن عباس «أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ» يعني ألقى البشير قميص يوسف على وجه يعقوب «فَارْتَدَّ بَصِيرًا» رائيًا بعدما كان عَمِيَ، عن جماعة المفسرين، قال الضحاك: رجع إليه بصره بعد العمى، والقوة بعد الضعف، والشباب بعد الهرم، والسرور بعد الحزن، وقيل: قال يعقوب للبشير: ما أدري ما أثيبك، هون اللَّه عليك سكرات الموت، فقيل: قال له: كيف خلفت يوسف؟ قال: هو ملك مصر، قال ما أصنع بالملك؟ على أي دين تركته؟ قال: على الإسلام، قال: الآن تممت النعمة، «قَالَ» يعقوب لهم: «أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنّي