قوله تعالى: {فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين 99 ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم 100 رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين 101 ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون 102}
  سجود العبادة، وكان تحية الناس يومئذ السجود، وقيل: عظموه بالسجود، والمعبود هو اللَّه تعالى كما في قصة آدم، عن الأصم، وقيل: كان كالقبلة، عن أبي علي، وقيل: المراد بالسجود الخضوع والتواضع على طريق التعظيم لا السجود بعينه، وقيل: سجدوا له أي: لله شكرًا، عن ابن عباس، وذكر أبو مسلم في قوله: «خروا» يعني أهل مملكته، فكان كل من دخل على يوسف من أهل مملكته يخر له ساجدًا، وهذا لا يصح؛ لأنه لا يكون تأويلاً للرؤيا، ويحتمل السجود وجهًا حسنًا، «وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا» أي: ليوسف يعني لأجله، يعني سجدوا لله شكرًا لأجل يوسف ولقائه «وَقَالَ» يوسف: «يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا» قيل: كان بين الرؤيا وتأويلها أربعون سنة، عن سليمان بن عبد اللَّه بن شداد، وقيل: ثمانون سنة، عن الحسن، وقيل: ثماني عشرة سنة، عن ابن إسحاق، وقيل: اثنتان وعشرون سنة، عن الكلبي، وقيل: سبعون سنة، عن عبد اللَّه بن شوذب.
  ومتى قيل: إذا علم يعقوب صحة الرؤيا فلماذا حزن الحزن العظيم؟
  قلنا: قيل: لأنه رأى وهو صبي، وقيل: لأن طول الغيبة مع شدة المحنة يوجب الحزن، وقيل: أمن الموت ولم يأمن البلايا.
  «وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ» بدأ بالسجن دون الجب كرمًا لئلا يبدأ بصنيع إخوته، وقيل: لأن نعم اللَّه في إخراجه من السجن أكبر، وقيل: لأن السجن طالت مدته، وكثرت محنته «وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ» وكانوا ببوادي الشام أصحاب إبل وشاء «مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيطَانُ» قيل: أفسد، وقيل: قطع، عن الأصم، وقيل: النزغ الإغراء، عن أبي علي «بَينِي وَبَينَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ» أي: بلطفه حصلت هذه النعم من الاجتماع وغيره، وقيل: لطيف التدبير لما يشاء «إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ» بجميع الأشياء «الْحَكِيمُ» في التدابير، قيل: دخلوا مصر وهم اثنان وسبعون إنسانًا من رجل