التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين 110 لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون 111}

صفحة 3730 - الجزء 5

  · المعنى: لما تقدم حديث الرسل المبعوثين إلى الأمم عقبه بذكر ما جرى بينهم وبين أممهم تسلية للنبي ÷، وبشارة لقرب الفرج، فقال سبحانه: «حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ» قيل: يئسوا من إيمان قومهم، وقيل: عن تعجيل العذاب لطول الإمهال «وَظَنُّوا أَنهم قَدْ كُذِبُوا» على قراءة التخفيف ظن الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم من نصر اللَّه، وهلاك أعدائهم، عن ابن عباس، وابن مسعود، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وابن زيد، والضحاك، والأصم، وأبي مسلم. ومن قرأ بالتشديد يعني ظن أن الرسل أي: أيقنوا أن الأمم كذبوهم تكذيبًا عمهم حتى لا يصلح أحد منهم، عن عائشة، والحسن، وقتادة، وأبي علي. والظن يكون بمعنى العلم قال الشاعر:

  فَقُلْتُ لهم ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ ... سُرَاتُهُمْ في الفَارِسِيِّ المُسَرَّدِ

  وما روي عن بعضهم أن الرسل ظنوا أنهم كذبوا فيما وعدوا وأوحي إليهم فقد أعظم الفرية على رسل اللَّه؛ لأن ذلك كفر، لا يجوز على الأنبياء، قال الأصم: ذلك لا يحل ذكره.

  فأما قراءة مجاهد فتحتمل وجهين:

  أحدهما: أن الأمم ظنوا أن الرسل كذبوا جاء الرسلَ نَصْرُنَا.

  الثاني: ظنت الرسل أن قومهم كَذَبُوا، وافتروا على اللَّه، وعلى هذا الظن بمعنى العلم.

  «جَاءَهُمْ» يعني الرسل «نَضْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ» أي: نُخَلِّص من نشاء من العذاب عند نزوله وهم المؤمنون «وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا» عقابنا «عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ» المشركين «لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِمْ» أخبارهم قيل: الأنبياء والأمم، عن أبي مسلم «عِبْرَةٌ» أي: عظة لما جرى من نصرهم بهلاك عدوهم، وقيل: في قصص يوسف وإخوته عبرة وموعظة، عن أبي علي، وأبي مسلم، وذلك الموعظة هو ما أصاب بعد إلقائه في الجب، وبيعه وحبسه من ملك مصر، والجمع بينه وبين إخوته وأبويه، وروي أن سعيد بن جبير والضحاك اجتمعا في دعوة فسئل سعيد بن جبير عن هذه الآية، فقال: حتى إذا