قوله تعالى: {المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون 1 الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون 2}
  ومتى قيل: (ثُمَّ) يقتضي حدوث معنى، فما معناه في الآية؟
  قلنا: قيل: «ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ» بالتدبير للأجسام التي قد كونها، فتدل على حدوث التدبير، وقيل: إنما هي لتسخير الشمس والقمر ولكنه قدم في صورة الكلام كقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ} يعني حتى يجاهد من نعلمه من المجاهدين، عن أبي علي. وقيل: إنه لعطف اللفظ، لا لعطف المعنى كقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} قال الشاعر:
  [قُلْ] لِمَنْ سَادَ ثُمَّ ساد أَبُوهُ ... ثُمَّ قَدْ سَادَ قَبْلَ ذَلِكَ جَدُّهُ
  وقيل: إنه دخل على نفس العرش، وأراد أنه يصرفه كيف يشاء ولا يكاد يوصف به إلا بعد وجوده.
  «وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ» ذللهما لمنافع خلقه ومصالح عباده «كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى» يعني أنهما يجريان إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا، وإذا قامت القيامة وقعت الشمس والقمر وخسفا، عن الحسن، وأبي مسلم، والقاضي. وقيل: أراد بالأجل درجاتهما ومنازلهما ولهما مائة وثمانون منزلاً، عن ابن عباس. «يُدَبِّرُ الْأَمْرَ» قيل: يقضيه، عن مجاهد. وقيل: يدبر أمر الرسل في إرسالهم، وقيل: يدبر أمر الدنيا والآخرة بلا معين، وقيل: يدبر جميع ما يفعله فيقع على ما توجبه الحكمة «يُفَصِّلُ الآياتِ» يبين الدلائل بما يحدثه في السماوات والأرض من أنواع النبات والأقوات والإحياء والإماتة الدالة على البعث، وقيل: يفصل آيات الكتاب احتجاجًا عليكم