التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون 3 وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون 4}

صفحة 3742 - الجزء 5

  وإجراء الشمس والقمر وما يصدر من السماء من تدبير ووحي، ودل بذلك على وحدانيته، عَقبَهُ بذكر الأرض وما فيها من نعمه وأدلته، فقال سبحانه: «وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ» أي: بسطها طولاً وعرضًا لتصير قرارًا تتصرف منها الحيوانات، وقيل: بسطها على الماء، عن ابن عباسٍ. وقيل: كانت الْأَرْض مدورة ودحاها من مكة من تحت البيت، عن الأصم. وقيل: كانت مجتمعة عند بيت المقدس «وَجَعَلَ فِيهَا» أي: خلق في الأرض «رَوَاسِيَ» أي: جبالاً ثوابت أوتدها بها كي لا تميل، وفيها من المنافع العظيمة نحو: المياه والمعادن وغير ذلك، ولو كانت مساوية للأرض لم تحصل تلك المنافع «وَأَنْهَارًا» أي: وأجرى أنهارًا من الماء لشربهم وطهارتهم وسقي أراضيهم، فكأنه تعالى قال جعل رواسي مرتفعة وأنهارًا منخفضة تمامًا للحكمة وتدبيرًا لمنفعة البرية وتنبيها على تحقيق قوله: {يُدَبِّرُ الأمْرَ} «وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ» يعني كما جعل ذلك جعل فيها من كل الثمرات نفعًا للحيوانات طعامًا وفاكهة، ولم يقتصر على صنف واحد «جَعَلَ فِيهَا زَوْجَينِ» قيل: صنفين حلو وحامض، ورطب ويابس، وأسود وأبيض، وذكر وأنثى، عن ابن عباس. وقيل: جعل في الثمار صنفين كالعنب فيه أسود وأبيض، والرمان فيه حلو وحامض، عن أبي علي. «اثْنَينِ» قيل: زوجين يحتمل الذكر والأنثى، فذكر الاثنين هاهنا أنه أراد ضربين من النبات، عن الحسن، والزجاج، وأبي علي. وقيل: ذكر ذلك تأكيدًا لقولهم: جاء القوم كلهم أجمعون، وقيل: معناه خلق مع كل شيء شكله، عن الأصم. «يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ» فذكر الليل والنهار عقيب ذلك لأن النعمة لا تتم إلا بهما، قيل: اثنين ضياء النهار وظلمة الليل، عن الأصم. وقيل: يدخل النهار في الليل ويدخل الليل في النهار، عن ابن عباس. وقيل: يذهبه، عن الحسن. وقيل: يأتي بالنهار فيغشى الليل بضوه، عن أبي علي. «إِنَّ فِي ذَلِكَ» فيما تقدم ذكره «لآياتٍ» لحجج ودلائل «لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» فيها فيستدلون. بها على أن لها صانعًا حكيمًا فبين أنه لا ينتفع بها إلا مع التفكر والتدبير «وَفِي الْأَرْضِ