التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال 14 ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال 15}

صفحة 3768 - الجزء 5

  يأتيه، عن مجاهد، والأصم. وقيل: يريد أن يصل إلى تناول الماء بيده على بسطها، عن أبي علي. وقيل: كباسط كفيه إلى الماء فمات قبل أن يصل، عن الحسن. وقيل: كعطشان على ساقية، ولا دلو معه يمد يده إلى البئر، فلا يبلغ الماء، ولا يرتفع الماء إليه، وكذلك الأوثان لا يجيبونهم ولا ينفعونهم، عن علي #، وعطاء، وأبي مسلم. وقيل: كعطشان يرى الماء من بعيد يريد أن يتناوله فلا يقدر عليه، عن ابن عباس. وقيل: كمشير إليه يريد بهذا القدر أن يبلغ فاه فلا يبلغ، عن القاضي، قال: وهو الأقرب. وقيل: كما أن العطشان لا ينفعه بسط الكف إلى الماء كذلك الأوثان لا تملك لهم نفعًا ولا ضرًا، عن الضحاك عن ابن عباس. وقيل: إنه مثل لمن يسعى فيما لا يدرك، فيقال: هو كالقابض على الماء، عن أبي عبيدة، و [القتبي]، وأبي مسلم، وأبي القاسم، قال الشاعر:

  وَأَصْبَحْتُ مِمَّا كَانَ بَيَنْيِ وَبَيَنْهَا ... مِنَ الْوُدِّ مِثْلَ الْقَابِضِ الْمَاءَ بِالْيَدِ

  «وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ» أصنامهم «إِلَّا فِي ضَلالٍ» قيل: في هلاك، وقيل: في ضلال عن الصواب، وقيل: عن طريق الإجابة والنفع، كأنه قيل: في ضلال عن دعوة الحق.

  ثم بَيَّنَ تعالى كمال قدرته وملكه، فقال سبحانه: «وَلِلَّهِ يَسْجُدُ» قيل: يصلي، عن ابن عباس. وقيل: يخضع ويتذلل «مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ» من الملائكة «وَالأَرْضِ» أي: ومن في الأرض من بني آدم، والمراد به المكلفون، وقيل: من في السماوات الشمس والقمر والنجوم، ومن في الأرض الجبال والشجر والدواب، حكاه الأصم، والأول الوجه. «طَوْعًا وَكَرْهًا» قيل: المؤمنون يسجدون طوعًا، والكافر يؤخذ به كرهًا، وكان الربيع بن خثيم يقول إذا قرأ هذه الآية: بل طوعًا يا رب. وقيل: منهم من يسجد طوعًا، ومنهم من يسجد كرهًا، يثقل عليهم السجود لمشقته فيتحملونه،