التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار 16}

صفحة 3772 - الجزء 5

  ثم ضرب لهم مثلاً تقريعًا لهم وتوبيخًا بعد إلزام الحجة، فقال سبحانه: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ» يعني كما لا يستوي الأعمى والبصير، كذلك لا يستوي المؤمن والكافر لعلم المؤمن، وحسن عاقبته، وجهل الكافر، وسوء عاقبته، ثم زاد في الإيضاح، فقال سبحانه: «أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ» أي: لا تستوي، فالظلمات الضلالة والجهل، والنور العلم والهدى «أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُركَاءَ» قيل: وصفوا الله بأن له شريكًا، وقيل: جعلوا له شريكًا في عبادته «خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ» يعني هذه الأصنام هل خلقوا شيئًا كما خلق اللَّه تعالى ليشتبه الحال عليهم ما الذي خلق اللَّه وما الذي خلق الأوثان، والمعنى: إذا كان الخلق كله لله تعالى دل أنه الإله الحي القادر العالم السميع البصير فلا تبقى شبهة أنه المستحق للعبادة دونها؛ لأنهم لم يخلقوا شيئا، ولا ملكوا نفعًا ولا ضرًّا.

  ثم أمر بعد ظهور الحجة، وزوال الشبهة بالاعتراف بالحق، فقال سبحانه: «قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ» يستحق به العبادة من أصول النعم وفروعها «وَهُوَ الْوَاحِدُ» قيل: الذي يستحق من الصفات ما لا يستحق غيره كونه قديمًا لذاته، قادرًا لذاته، عالمًا لذاته، حيًّا لذاته، سميعًا بصيرًا لذاته، غنيًا لا مثل له ولا شبيه، وقيل: الواحد الذي لا يتجزأ ولا يتبعض، وقيل: الواحد في الإلهية «الْقَهَّارُ» القادر على ما يشاء، الغالب لكل أحد، لا يمتنع عليه شيء.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى الخالق لما في السماوات والأرض والمدبر، مالك النفع والضر، فيستحق العبادة دون غيره.