التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب 32 أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فما له من هاد 33 لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق 34}

صفحة 3802 - الجزء 5

  وقيل: لما تقدم كفرهم به عقبه بالرسل تسلية له لما استهزؤوا به فقد استهزئ برسل من قبله، عن أبي علي. فكأنه يتصل بقوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ}.

  وقيل: يتصل بما قبله من قوله: {تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ} فأتبعه بأن المصلحة تكون مرة في التعجيل، ومرة في التأخير والتمهيل، ولا بد في العاقبة من حلول العقاب بهم، كما حل بمن كان قبلهم، عن القاضي.

  · المعنى: «وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ» أي: كما يستهزئ هَؤُلَاءِ بك في طلب الآيات فقد فعلت الأمم الغابرة ذلك برسلهم «فَأَمْلَيتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا» أي: أمهلتهم ليتوبوا ويتدبروا ولتتم عليهم الحجة «ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ» أي: لما أصروا أخذتهم بالعقاب والهلاك، ونجينا الرسل ومن تبعهم وأهلكنا الكفار «فَكَيفَ كَانَ عِقَابِ» أي: كيف رأيتم عذابي لأولئك كذلك لهَؤُلَاءِ، وفيه تسلية للنبي، ÷.

  ثم عاد في الحجاج مع الكفار، فقال سبحانه: «أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ» أي قائم عليه بالتدبير والحفظ والرزق والعلم به، وقيل: قائم على كل نفس حتى يجازيها، عن الحسن. وقيل: هو قائم على كل نفس في رزقهم وحفظهم، ثم جعلوا معه آلهة، عن الضحاك. وقد بينا أن جوابه محذوف أي: كمن ليس هو كذلك، وهي الأوثان.

  ومتى قيل: كيف يجوز عليه تعالى أن يوصف بأنه قائم؟

  فجوابنا: ليس من القيام الذي توصف به الأجسام، وإنما معناه القائم بالتدبير، ومعناه المقوم للتدبير، ولا يجوز قائم على الإطلاق؛ لأن معناه المنتصب، وهو من صفات الأجسام.