التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب 36 وكذلك أنزلناه حكما عربيا ولئن اتبعت أهواءهم بعد ما جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا واق 37}

صفحة 3809 - الجزء 5

  · المعنى: لما تقدم الوعد والوعيد عقبه أنه بما أنزل إليه وبَيَّنَ صفة المتقين والكافرين، فقال سبحانه: «وَالَّذِينَ آتَينَاهُمُ الْكِتَابَ» أعطيناهم القرآن «يَفْرَحُونَ» به، قيل: هم أصحاب النبي ÷ والمؤمنون أعطوا القرآن وآمنوا به وفرحوا به «وَمِنَ الأَحْزَابِ» الجماعات من اليهود والنصارى أعطوا الإنجيل «يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ» في القرآن أي: وسائر الكفار، عن الحسن، وقتادة، ومجاهد، والأصم، وأبي علي. وقيل: هم الَّذِينَ آمنوا من أهل الكتاب فرحوا بالقرآن، لأنهم آمنوا به وصدقوه، والأحزاب: بقية أهل الكتاب وسائر المشركين لم يؤمنوا به، عن ابن عباس، وأبي مسلم، والقاضي. «وَالَّذِينَ آتَينَاهُمُ الْكِتَابَ» اليهود أعطوا التوراة والنصارى أعطوا الإنجيل «يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ» في القرآن لأنه مصدق لما معهم «وَمِنَ الأَحْزَابِ» من سائر الكفار «مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ» عن مجاهد، ويحكى عن أبي علي، قال القاضي: وهذا لا يصح لقوله: «يَفْرَحُونَ بمَا أُنْزِلَ إِلَيكَ» فعم جميع ما أنزل إليه، ومعلوم أنهم لا يفرحون بذلك، «وَمِنَ الأحْزَابِ» من جماعات الكفار «مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ» أي: يكذب ببعض القرآن.

  ومتى قيل: أليس ينكرون الكل؟

  فجوابنا: كان فيهم من يعترف بصحة بعضه من أقاصيص الأنبياء لموافقة كتابهم.

  ومتى قيل: فالمشركون ينكرون الكل.

  فجوابنا أنه لم يجعل الإنكار صفة للكل، بل قال: «وَمِنَ الْأَحْزَابِ» مَنْ هَذَا وَصْفُهُ، فإذا وجدت منهم فرقة هذا وصفها صح الكلام.

  ثم خص المشركين بالخطاب فقال سبحانه: «قُلْ» يا محمد «إِنَّمَا أُمِرْتُ» أي: أمرني اللَّه سبحانه «أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ» وحده «وَلا أُشْرِكَ بِهِ» أي: لا أجعل له شريكًا