التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب 38 [يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب 39]}

صفحة 3812 - الجزء 5

  لما تقدم إرساله بين أنه أرسل بشرًا كما أرسله من البشر، فحاله كحالهم، عن القاضي.

  وقيل: يتصل بما قبله من سؤالهم للآيات، فبين أنه بشر كما أن من كان قبله من الرسل كانوا بشرا فلا يقدرون على الآيات، وإنما يأتي به إذا أذن اللَّه تعالى فيه، عن أبي مسلم.

  وقيل: هو جواب قولهم: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} و {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ} عن الأصم.

  ويُقال: كيف يتصل قوله: «يَمْحُوا اللَّه مَا يَشَاءُ» بما قبله؟

  قلنا: لما تقدم قوله: «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ» اقتضى ذلك الإيهام أن كل مكتوب مثبت لا يجوز محوه، فأتبعه بأنه، وإن كان مكتوبًا، فإنه يمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء، كما يمحو الذنب بالتوبة إزالة لهذا الإيهام.

  · المعنى: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ» يا محمد من البشر «وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا» نكحوهن «وَذُرِّيَّةً» أولادًا ونسلاً، ولم يجعل الرسل ملائكة لا يأكلون ولا يتناسلون حتى نرسل إلى قومك ملكًا «وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ» بمعجزة يقترحونها «إِلَّا بإِذْنِ اللَّهِ». بأمر اللَّه وإطلاقه «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ» أي: لكل وقت قدَّره اللَّه تعالى كتاب أثبت فيه، وهو اللوح المحفوظ على ما يوجبه تدبير العباد، واختلفوا فقيل: لكل شيء وقت مقدر، فالآيات التي سألوها لها وقت قد قضاه وكتبه على حسب المصلحة، لا على حسب شهواتهم، ولو أوتوا ما التمسوا لكان فيه أعظم الفساد، عن أبي القاسم. وقيل: لكل أمر قضاه اللَّه كتاب ينزل من السماء أجل ينزل فيه، عن ابن عباس، والضحاك. أي: لكل كتاب وقت يعمل به، فللتوراة وقت، وللإنجيل وقت، وكذلك الزبور