التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب 38 [يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب 39]}

صفحة 3814 - الجزء 5

  الانقطاع إليه، وقيل: يغير أحوال العبد فما مضى منها يمحى، وما هو في الحال يثبت، عن الأصم. وقيل: يمحو ما يشاء، ويثبت ما يشاء من حكمه، لا يُطْلِعُ على غيبه أحدًا، وقوله: «وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» أي: أصل العلم فيما أوجب، والمراد بالمحو التغيير، وإذا غير شيئًا فقد محاه، عنَ أبي مسلم.

  قوله: «وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» قيل: أصل الكتاب وهو اللوح المحفوظ، عن ابن عباس، لأن الكتب المنزلة انتسخت منه، والمعنى أن المحو والإثبات وقع في الكتب المنتسخة، لا في أصل الكتاب، وقيل: هما كتابان، أحدهما يمحو منه ما يشاء، ويثبت ما يشاء، وثانيهما لا يجوز أن يمحو اللَّه، ويثبت فيه، عن ابن عباس، وعكرمة. وقيل: جملة الكتاب، وهو علم اللَّه تعالى، عن قتادة، والضحاك.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الرسل كلهم من البشر، وأن لهم أزواجًا وذرية.

  وتدل على أن كل أمر مقدر ومكتوب، فيدخل فيه الأجل والرزق، وغير ذلك.

  وتدل على أنه يمحو ويثبت ما يشاء، وقد بَيَّنَّا ما قيل فيه.

  ومتى قيل: أليست الرافضة تستدل بالآية على جواز البداء على اللَّه؟

  فجوابنا: إن ظاهر الآية لا يدل على ذلك، ولا يدل أيضًا أن المحو والإثبات وقع في شيء واحد فيكون فيه شبهة، وقد دل العقل على أن البداء على اللَّه لا يجوز لأنه عالم لذاته بكل معلوم فكيف يظهر له ما لم يكن ظاهرًا.

  ومتى قيل: أليس بعض أصحاب الحديث يحملونه على الشقاوة والسعادة، ورووا في ذلك حديث عمر: «اللَّهم إن كنت كتبت شقاوة فامحها واجعلها سعادة». وعن ابن مسعود جواز محو الشقاوة والسعادة، وعن ابن عباس ومجاهد خلافه،