قوله تعالى: {وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب 40 أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب 41 وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار 42 ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب 43}
  وقيل: ننقصها بذهاب علمائها وفقهائها وعبادها وخيار أهلها، عن عطاء، ومجاهد، وأبي مسلم، وروي نحوه عن ابن عباس، وقيل لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس؟ قال: هلاك علمائهم، وعن ابن مسعود: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار. وقيل: معناه أولم يروا ما يحدث في الدنيا من العبر، خراب بعد عمارة، وموت بعد حياة؛ لأن نقصان الأرض بنقصان أهلها وعمارتها فكما تنقص الأرض كذلك يفعل الناس ما وعدوا من الموت، عن أبي علي. وقيل: هو إخبار عن قدرة اللَّه تعالى وإبطال أمر آلهتهم؛ أي: لو كانوا آلهة لمنعوا من الخراب، عن أبي مسلم. وقيل: ننقص من بركاتها وثمارها وزروعها «وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ» ولا راد لقضائه، والمعقب الذي يكر على الشيء ويتبعه؛ أي: لا يتبع حكمه أحد لينقضه، وقيل: لا يحكم بعد حكمه حاكم، وتدخل فيه جميع أحكامه من العقوبات وغيره فلذلك عقبه بقوله: «وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» أي: الجزاء على ما يعمله العبد من الخير أو الشر.
  ثم بيّن أن مكرهم يضمحل عند نزول العقاب بهم، فقال سبحانه: «وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» يعني من قبل مشركي مكة نحو عاد وثمود ونمرود وغيرهم، دبروا في أمر الرسل وتكذيبهم وهلاكهم واحتالوا بما في وسعهم، فأبطل اللَّه مكرهم، كذلك يبطل مكر هَؤُلَاءِ إن الأمر لله جميعًا «فَلِلَّهِ الْمَكْرُ» أي: التدابير فهو القادر على جميعه، وقيل: مكروا لإبطال دينهم فلم يصلوا إليه كذلك هَؤُلَاءِ، وقيل: إنه جزاء المكر، عن أبي مسلم. وقيل: ما يفعله اللَّه تعالى بهم من المكر أقوى