التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد 3 وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم 4}

صفحة 3828 - الجزء 5

  · المعنى: ثم وصف الكفار، فقال سبحانه: «الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ» قيل: يختارون، وقيل: يحبون «الْحَيَاةَ الدُّنْيَا» ويؤثرونها على الآخرة، عن الأصم. ملاذها ونعيمها «عَلَى الآخِرَةِ» أي: على ثواب الآخرة جهلاً منهم لموقع الثواب «وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» قيل: يمنعون الناس عن دين اللَّه، وقيل: يعرضون عن دين اللَّه وهو الإسلام «وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا» أي: يبغون لها عوجًا، قيل: يطلبون لها العوج وذلك يوصلهم إلى تحريف الدين وتغييره ليوهموا أنه غير حق، وقيل: أراد طعنهم في الدين، وقيل: وصفهم له بأنه غير مستقيم، وقيل: يبغونها أي على الآخرة خلافًا وتمردًا، عن الأصم. وقيل: يبغون السبيل والسبيل يؤنث، عن أبي علي. «أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ» عن الحق وهو الكفر، وقيل: يبعد ردهم عن الضلال، وقيل: في هلاك يطول عليهم فلا ينقطع، وأراد بالبعد امتداده، وقيل: بعيد عن النجاة «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ» أي: بلغة قومه، فيه قولان:

  الأول: أرسلنا كل رسول إلى قومه بلغتهم غيرك، فإنك مبعوث إلى الأحمر والأسود، عن مجاهد.

  الثاني: كما أرسلناك إلى العرب بلغتهم كذلك أرسلنا كل رسول بلغة قَوْمِهِ.

  «لِيُبَيِّنَ لَهُمْ» أي: ليظهر لهم الدين «فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ» قيل: يعاقب ويهلك من لا يقبل، لما ذكر الامتحان بالبعثة عقبه بذكر الثواب والعقاب ترغيبًا وترهيبًا، وقيل: يحكم بضلال من ضل وبهداية من اهتدى، وقيل: يلطف لمن يشاء ممن له لطف ويضل عن ذلك من لا لطف له «وَهُوَ الْعَزِيزُ» القادر على جميع