قوله تعالى: {ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب 9}
  فأما من قال بالأول اختلفوا في الهاء في قوله: {أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} على ثلاثة أقوال:
  أولها: أن الهاء في الحرفين كناية عن الكفار، والمعنى: عضوا على أيديهم غيظًا وحنقًا على الأنبياء $، عن ابن عباس، وابن مسعود، وابن زيد، وأبي علي، وقرأ ابن مسعود: {عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} وهو اختيار القاضي، قال الشاعر:
  قَد أفنى أَنامِلَهُ أَزمُهُ ... فَأَمسى يَعَضُّ عَلَيَّ الوَظيفا
  وقيل: لما سمعوا كتاب اللَّه عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم تعجبًا، عن ابن عباس.
  وقيل: وضعوا أيديهم في أفواههم مشيرين بذلك إلى الأنبياء أن كفوا عن الكلام كأنهم أشاروا إلى الرسل أن اسكتوا، عن الكلبي.
  وثانيها: أن تكون الهاءان راجعتين إلى الرسل، والمعنى: قيل: أخذوا أيدي الرسل فوضعوها على أفواههم ليسكتوهم، ويقطعوا كلامهم. وقيل: الرسل سكتوا عنهم لما يئسوا منهم.
  وثالثها: أن تكون الهاء في (أيديهم) ترجع إلى الكفار، وفي الأفواه إلى الرسل، فكأنهم لما سمعوا وعظهم وكلامهم أشاروا بأيديهم إلى أفواه الرسل تكذيبًا لهم وردًّا عليهم وتسكيتًا لهم، عن الحسن. وقيل: يسكتونهم بذلك، عن مقاتل. قال القاضي: وهو الأولى؛ لأن المكذب لغيره والراد لكلامه يدفع يده إلى ناحية فمه.